يقولون أنه "إذا أردت النجاح فعليك أن تركز على ما يمكنك فعله ... وليس على ما تعجز عن فعله". كم نحزن على الفرص الضائعة .. وكم نلاحق الفرص التي تمضي مبتعدة عنا في طريق الحياة، ونغفل عن الفرص المتاحة لنا والتي تنتظر منا أن نقتنصها .. أحيانا يقع الناجحون فريسة لقدراتهم المتنوعة والمتعددة .. فبدلاً من التركيز على اقتناص الفرص المتاحة .. يبحثون عن التحدي في الفرص الصعبة .. ويخسر الكثير ممن يمكن أن يكونوا من الناجحين كل الفرص عندما يقعون فريسة عدم التركيز على المتاح والاستفادة منه .. أو الجري وراء الفرصة الأصعب رغم أن الفرص المتاحة قد تكون بحق أفضل. يروي الكاتب الأمريكي جون ماكسويل قصة لطيفة ومفيدة عن رحلة صيد قام بها إلى الأرجنتين لصيد الحمام رغم أنه ليس بصياد ماهر، ولكنه كان يجب التجربة الجديدة، فذهب إلى واد جميل هناك به أسراب هائلة من الحمام، بحيث تكاد تحجب هذه الأسراب ضوء الشمس من كثرتها وتعاقبها المتتالي. وطوال ساعة كاملة أطلق جون ماكسويل كمية هائلة من الذخيرة – كما يروي – وهو يحدث نفسه أنه من المستحيل أن يخطيء الإصابة وفوقه عشرات الآلاف من الحمام في أسراب متتالية وهائلة، ولكن النتيجة بعد ساعة كاملة كانت صفراً .. فلم يصب حمامة واحدة. تدخل لحظتها المرشد المرافق له قائلا: "مشكلتك أنك تحاول أن تطلق النار على الحمام كله .. وليس من المفروض أن تفعل ذلك، ولا أن تقلق على الحمام الذي يطير مبتعداً عنك .. ثق بي". ثم تابع المرشد نصيحته قائلا: "في غضون نصف دقيقة سيأتي سرب آخر، ولا يجب أن تقلق، فالحمام سيظل يأتي طوال اليوم. دع قلقك على ما ضيعته، وركز على أن تصيب حمامة واحدة في كل مرة". حاول جون ماكسويل، وتحسنت النتائج قليلاً، ولكن الحقيقة أنه لم يكن صياداً ماهراً، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع له نجاحاً كبيراً فيما لا يوجد لديه موهبة فيه .. ولا يمتلك مهارته أو لم ينفق الوقت الكافي لكي يتعلمه. إنه كان في رحلة مارس فيها تجربة جديدة ولكنه لم يصدق نفسه أنه صياد ماهر، ولم يحاول أن يتحول إلى محترف فقط من أجل تحدي النجاح. ولكن القصة الهامة في هذه الرحلة كما يقول جون ماكسويل هو أنك يمكن أن تتعرض لمواقف تتاح لك فيها الكثير والكثير من الفرص لدرجة أنك تخطئها جميعاً. ما يجب أن نتعلمه من جون ماكسويل هو أهمية التركيز على ما يمكن أن نصيبه ونقتنصه من الفرص، وتعلم نسيان الفرص الضائعة، وتذكر أن نعم الله لا تنفذ وخزائنه جل وعلا مليئة بالفرص المتتالية لكل البشر. أحيانا نغفل قيمة النجاحات الصغيرة بل قد نتعالى عليها طمعاً في الشهرة والثروة التي قد ترتبط بالقفزات الضخمة.، ولا ندرك أن النجاحات الصغيرة هي التي تصنع القدرة على النجاحات الكبرى. وكما يقول لاديل هوتار " النجاح يتكون من سلسلة يومية من الإنتصارات الصغيرة " بهذا المفهوم نجحت أجيال وحضارات كثيرة في معظم أنحاء العالم وعبر التاريخ. الانتصارات الصغيرة المتتالية هي التي تصنع في الحقيقة النجاح والأبطال .. وعندها فقط يصبح هؤلاء الأبطال قادرين على صنع النجاحات والانتصارات الباهرة. لا يجب أن نقلل من شأن وقيمة الانتصارات الصغيرة في الحياة .. والمؤمن لا يحقر من المعروف شيئاً. إن النجاح في عالم اليوم الحافل بالفرص يحتاج إلى التركيز وليس إلى التشتت. وإذا وجهت كل طاقتك إلى نقطة واحدة .. مشروع واحد .. فكرة نابهة .. وانطلقت صوبها بشكل مباشر، فإن فرصتك في النجاح والتميز تتضاعف. يقول المستكشف الغربي الأدميرال ريتشارد بيرد أن "قليل من الرجال هم من يقتربون طوال حياتهم من الاستغلال الأمثل للطاقات التي تسكن في أعماقهم. إن هناك آباراً عميقة من القوة لا تستخدم أبداً". الافتقار إلى التركيز واستعجال النجاح هما سبب تشتت جهود الكثير من الناجحين، وتحول أعمالهم ومشروعاتهم مع مضي الوقت والعمر إلى كيانات هشة رخوة لا تصمد لرياح التغيير والمنافسة. إننا نحيا اليوم في عالم لا يقبل بال "أنصاف" أي نصف العمل .. ونصف الفرصة .. ونصف الجهد .. ونصف القيمة .. عالم اليوم هو عالم التخصص والتركيز، ولن ينجح أصحاب المواهب والقدرات الفذة عندما يهدورن ويشتتون طاقاتهم ويتحولون إلى باحثين عن التحدي .. وراغبين في التجول بين الفرص الصعبة سعياً وراء حلم لا يسانده تركيز وعمل ومثابرة. سؤالي إلى كل من يرى في نفسه نعمة الله عليه أنه من الناجحين .. هل أنت مؤهل للنجاح في عالم الغد .. وهل لديك الصبر الكافي لاقتناص فرصة واحدة من الفرص الكثيرة المتاحة لك، والتركيز على النجاح في تلك الفرصة بكل طاقتك، والمثابرة في تحقيق ذلك قبل الانتقال إلى الفرصة التالية .. أم أنك من هواة تسوق الفرص .. وقضاء العمر متجولاً بينها باحثاً عن تلك الفرصة النادرة التي قد يضيع العمر ولا تأتي .. وحتى إن أتت فقد تكون قد فقدت الرغبة في العمل والجد، وتحولت إلى متسوق محترف وليس إلى صياد ماهر؟ رحلة الصياد الماهر تبدأ بالتركيز على فريسة واحدة واقتناصها بأقل قدر ممكن من الذخيرة والجهد ثم الانتقال إلى الفرصة التالية لاقتناصها، فليس المهم كم هو عدد الفرص المحيطة بك .. السؤال هو هل ستنجح في اقتناص بعضها .. أو الأفضل منها؟