حتى الآن لم تعلن كلا من الرياض والخرطوم عن ملابسات منع الطائرة السودانية التي كانت تقل الرئيس السوداني عمرو البشير من المرور في الأجواء السعودية في طريقها إلى طهران للمشاركة في مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني. هل كان هذا الحادث مفاجأة للمحللين والمتابعين لشأن العلاقات السودانية السعودية في الآونة الأخيرة. تتطلب الإجابة على هذا السؤال أن نشير إلى ثلاثة أبعاد في هذه العلاقة: الأول: التنافس والسباق بين محورين في دول الخليج محور تقوده المملكة السعودية ومعها دولة الإمارات والكويت، ومحور آخر كانت تقوده قطر ولا تزال مدعومة بالعمق التركي. أوساط سعودية صرحت -بحسب الباحث في الشؤون الخليجية – أن السعودية لا تنظر بعين الرضا إلى العلاقات الخاصة والمتميزة بين قطر والسودان. قطر تحولت في السنوات الأخيرة إلى لاعب رئيسي في الساحة السودانية عن طريق الوساطة التي قامت بها وتقوم بين الحكومة السودانية وبين حركات التمرد في دارفور بحيث أن الدوحة استضافت عدة مؤتمرات للمصالحة. كما أن قطر تستثمر ما يصل إلى 3 مليارات دولار في الساحة السودانية وعلى الأخص في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة. البعد الثاني: أن السعودية استشاطت غضبا للتقارب السوداني الإيراني وعلى كافة الأصعدة وأن السعودية أشهرت هذا الغضب أمام الولاياتالمتحدة الدولة الحليفة بل وأمدتها بمعلومات عن حجم التعاون العسكري بين السودان وطهران وعن منح السودان تسهيلات عسكرية في ميناء بور سودان تتيح لإيران إقامة مستودعات للأسلحة ومرابطة قطع بحرية حربية إيرانية في الميناء، هذا إضافة إلى أن السودان يحتضن قواعد حاملة لصواريخ شهاب. السعودية لم تحصل على هذه المعلومات وتحوز عليها بفعل منظومتها الاستخباراتية وإنما اعتمدت على مصدرين: الأول فرنسي بحكم التواجد العسكري الفاعل لفرنسا في جيبوتي وامتلاكها لقوات بحرية وجوية وبرية في هذه المنطقة، أما الثاني حصلت عليه من إسرائيل وتحديدا من رئيس الموساد تمير باردو المعروف بعلاقاته مع المنظومات الاستخباراتية السعودية ومنذ 2008 أي قبل أن يصبح للموساد حيث كان يعمل نائبا لرئيس الموساد وقد نجح في إقامة علاقات متطورة في مجال التعاون وتبادل المعلومات مع عدة أجهزة خليجية وعلى رأسها السعودية وقطر والإمارات. المعلومات الإسرائيلية التي ضخت إلى المخابرات السعودية كان هدفها تعميق حالة العداء بين السعودية وإيران عن طريق المبالغة والتهويل في حجم التواجد العسكري الإيراني في السودان وعن طريق تحذير السعودية من أن هذا السلاح وعلى الأخص الصواريخ والقطع البحرية ستتحرك لضرب أهداف سعودية في حالة اندلاع حرب في الخليج ضد إيران وفي حالة إغلاق مضيق هرمز. البعد الثالث: نجاح السعودية بوسائل مختلفة بالدعم السياسي والمالي والإعلامي للمعارضة السودانية التي أطلقت حملة على مدى مائة يوم لتغيير النظام في اختراق هذه المعارضة، والتعويل عليها في إحداث التغيير داخل السودان واستبدال النظام القائم بنظام جديد أكثر ولاء للسعودية وأكثر اصطفافا إلى جانبها في مواجهة إيران. الولاياتالمتحدة كانت على علم بهذا الإجراء السعودي لأن الرياض استشارت واشنطن حول كيفية التعاطي والتصرف مع طائرة البشير وكانت على علم ودراية بأنه سيشارك في مراسيم واحتفالات تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. واشنطن كانت تريد أكثر من منع الطائرة أي اعتراض طائرة البشير بواسطة طائرات أمريكية ترابط فوق حاملات الطائرات في قاعدة بحرية أمريكية في البحرين حيث يرابط الأسطول الأمريكي لكن الرياض أبلغت أنها ستكتفي بمنع الطائرة وأنها لن تشارك في عملية اعتراض الطائرة لأن هذا سيؤدي إلى تفاعلات وردود فعل تضر بالسعودية ومصالحها.