كان إبراهيم باشا فرج من كبار زعماء الوفد الشرفاء المخلصين، كان وجوده وموقعه فى الساحة السياسية تدعيما لأواصر الوحدة الوطنية الحقيقية، وقد رأينا سلفه مكرم عبيد يقول "مصر وطن يعيش فينا"، وقد تعرض الرجل للإهانة والسجن والاعتقال المتكرر من نظام يوليو الانقلابي وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في أكتوبر 1953م أمام محكمة الثورة، وأفرج عنه عام 1956م، وأعيد اعتقاله مرة ثانية عام 1957م ، وتم الإفراج عنه، وأعتقل عام 1961م ، ووضعت أمواله تحت الحراسة وصدر قرار بعزله سياسيا، وظل "إبراهيم فرج" مخلصا ومحبا لولي أمره وزعيمه "مصطفى النحاس" حتى رحل الزعيم في 23 أغسطس عام 1965م. وقف "إبراهيم فرج" إلى جانب زعيمه ورفيق دربه "محمد فؤاد سراج الدين" الذي أعاد بتخطيط محكم حزب الوفد إلى الساحة السياسية ومعه كوكبة من أفضل المناضلين الوفديين الذين أبوا أن تسقط راية الوفد ، فعادت تخفق وتؤكد أن الوفد هو الحزب السياسي العريق الذي تلتف حوله الأمة، وتقدم لعضوية الوفد مليونان من العناصر الوطنية الشريفة. وظل كذلك حتى رحل فى أغسطس 1994. وفى السطور التالية نجرى رسالة على لسانه إلى رئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوى شحاته يعاتبه على انحيازه إلى الانقلاب العسكرى الدموى الأخير فى مصر، علما بأن الوفد الحزب الليبرالى العريق الذى ضم فى جنباته كل أطياف الوطن ويستغرب منه هذا الصنيع رغم اكتواء الوفد من انقلاب يوليو الذى لا يختلف عن الانقلاب الأخير.
عزيزي الدكتور السيد البدوي شحاتة الذى آلت إليه رئاسة حزب الوفد ، وكنا نود منه بعد انطلاق الحريات بعد ثورة يناير التى أعادت الحرية والديمقراطية على شعب مصر أن يعود حزب الوفد إلى أمجاده، وكنت أشك فى ذلك لأن مجرد وجوك على رأس حزب الوفد هو انتكاسة له.. لأننا نعرف ماضيك وتحالفك مع نظام مبارك القمعى الذى سهل لك كل شىء وخصص لك بالأمر المباشر الأراضي الشاسعة، وحولك من مالك صيدلية إلى محتكر لسوق الدواء فى مصر كما احتكر صديقك الصدوق أحمد عز الحديد فى مصر، وحرم الشباب من تحقيق أحلامهم فى بيت سعيد متواضع، كما حرمت أنت ملايين المرضى المصريين من الحصول على دواء شافي بسعر معقول. عزيزى الدكتور السيد البدوى. لقد شعرنا بالخزي من العالم الأخر عندما رأيناك تستعين براقصة مغمورة قبضت الثمن، للهجوم على حزب ينافسك فى الساحة، وكانت فضيحة فى مصر بجلاجل لنا فى تاريخ الديمقراطية ، صحيح كان هناك تنافس حزبي وسياسى فى عصرنا تجاوز إلى الصراع، ولم يدر بخلد أى من الزعماء فعل هذا السلوك المشين علاوة على مشاركتك فى المؤامرات التى أدت إلى حل أول برلمان استفتى عليه 33 مليون الشعب المصرى، وجن جنونك برغم امتلاكك لأحدث وسائل الإعلام المرئى والمسموع والمكتوب وشراؤك لأقلام الكتاب بأثمان فلكية وتحريضك على الاستفتاء الطائفى..كنت تعرف مسبقا بحل برلمان الثورة وهللت لذلك مثيرا ولم تنتظر دورة أخرى كى تعدل من أوضاعك وتنافس طبقا للأجندة الديمقراطية .. آسفنا من العالم الآخر لارتيادك الأبواب الخلفية كى تصل إلى أهدافك.
وكانت الفاجعة تأييدك للانقلاب العسكرى الأخير فى مصر وأنت تعرف كم عانينا من انقلاب يوليو البغيض الذى واد الديمقراطية فى مصر وحول مصر من دولة رائدة تقود الشرق كان الأجانب يسعون إليها للعمل والارتزاق فسرنا فى ذيل الأمم، نتسول قوت يومنا ، ألم يحز فى نفسك ما حدث لحزب الوفد من اغتيال على أيدي هؤلاء العسكر المغامرين الذين بددوا ثروات مصر على نرجسيتهم البغيضة، رأينا منسق هذا الانقلاب عبدالناصر، استوعب منطق "ميكافيللى" والانتهازيون فى كل العصور وقرب إليه المنافقون والانتهازيون، رأيناه يدفع للصاوى وعصابته آلاف الجنيهات لينزل الشارع ويهتفون للديكتاتورية، ويذهبون إلى مجلس الدولة ويفتكون بالفقيه الدستورى عبدالرزاق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة، تماما مثلما فعل عسكر السيسى من احتضان حركة تمرد التى كفرت بالديمقراطية القائمة.
ألا تعلم يا رجل أن العسكر هم من عذبونا فى السجن الحربى ولقد تجرعنا صنوف التعذيب على أيديهم وكان العبد لله من أولئك هو وفؤاد باشا سراج الدين، والدكتور محمد صلاح الدين، وقيدوا حركة النحاس باشا واعتقلوا زوجته وحذفوا اسمه من المناهج ..حتى سعد زغلول زعيم الأمة تعرض للإهمال وحرض الفرعون كتبته ومخبريه الصحفيين ومؤرخين تحت الطلب لشن حملة عاتية عليه. لقد أحضر العسكر أحد رجاله الخونة وهو الفريق فؤاد الدجوى الذي سلم قطاع غزة سنة 1956 إذ كان حاكم غزة عند العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، وعندما دخلت القوات الإسرائيلية غزة أسرع فؤاد الدجوى فسلم المدينة للغزاة ، وكانت زوجته تعانى من كيس دهنى يحتاج إلى عملية بسيطة، وكان فى غزة مستشفى مصرى به استعدادت طبية هائلة ، وأطباء مصريون مهرة ، وقد عرضوا استعدادهم لإجراء العملية الجراحية لها، ولكن اللواء الدجوى رفض ذلك ، فلما استسلم للجيش الإسرائيلي طلب من ضابط إسرائيلى أن تجرى العملية لزوجته فى تل أبيب، ووجدها الإسرائيليون فرصة لهم فاستجابوا، ونقلوا زوجة اللواء الدجوى إلى مستشفياتهم وأجروا لها العملية، وكافأهم على ذلك بأن وقف أمام عدسات التليفزيون الإسرائيلي يعلن ثناءه على الجيش الإسرائيلي وعلى شجاعته ومروءته، ويسجل شكره على ما قدمه الإسرائيليون لزوجته. وانتهزت إسرائيل هذه الفرصة فأرسلت الفيلم إلى تليفزيونات العالم وإذاعاته، وكان الناس يعجبون لقائد يقف هذه الوقفة المهينة ويثنى على قاتلى أهله ومحتلى أرضه، وقد سمع جمال عبدالناصر كلمات هذا القائد التعيس الخائن من الإذاعات المختلفة، وقرر أن الدجوى سيحاكم عقب عودته من الأسر من إسرائيل، وأنه سيعدم رمياً بالرصاص على هذه الخيانة، ولكن شيئاً آخر حدث له، فبدلاً من أن يعدم كرم، فلم يكد يعود من إسرائيل حتى اختير فى يوليو 1957 - أى بعد أيام من عودته وليس بعد سنين، عندما أقر بدفع الثمن الذى عصمه من الموت ... يا بدوى لقد رجع هذا الرجل من خيانة ليستلم خيانة أخرى وهى خيانة الضمير وخيانة الشرف وذبح الأبرياء – عين رئيساً للمحكمة العسكرية العليا التى شكلت لمحاكمة السياسيين الأحرار الأبرار الأطهار، لأن قضاء مصر رفض أن يكون مطية للانتقام، ومنهم رجالنا مثل: الدكتور محمد صلاح الدين وزير خارجية مصر قبل الثورة، وعبدالفتاح حسن وزير الشئون الإجتماعية فى نفس الوزارة ، وقد تعجب الأستاذ مصطفى أمين لاختيار هذا الخائن الجبان لمحاكمة رجلين قاما بدور وطنى مشهور سنة 1951 على اثر إلغاء معاهدة 1936 ، فقد حرضا العمال المصريين على الانسحاب من المعسكرات البريطانية، وعينهم عبدالفتاح حسن فى وظائف بديلة، واشتركا فى دفع قوات البريطانيين لتؤرق القوات البريطانية المحتلة، حكم عليهما بأقصى العقوبات، كما حكم على مصطفى أمين، وعلى سيد قطب وهواش وعبدالفتاح إسماعيل، وجرائمه لا تحصى ولا تعد .. لقد اجتمعت اليوم بالنحاس باشا وسعد زغلول وفؤاد سراج الدين وكان علامات الغضب ترتسم على وجوههم لتصرف الحزب ورئيسه وقياداته التى هللت للبيادة العسكرية لتتحكم فى رقاب الناس مرة أخرى، هل لم تقرأ كل جرائم الانقلابات العسكرية فى العالم؟ الم تقرأ كتب جمال بدوى؟ ألم تقرأ كتب أحمد شلبى؟ ألم تقرأ مذكرات ضباط يوليو أنفسهم الذين أدانوا الانقلاب؟ عد إلى رشدك يا رجل وأصدع بالحق وحافظ على تاريخ الوفد وقم بإدانة المجازر التى فعلها العسكر فى الحرس الجمهورى وفى ميدان النهضة وفى ميدان رمسيس، وكف عن التهليل لثورة "الفوتوشوب" التى زعموا أنها قامت فى 30يونيو، ثورة مصر الحقيقية هى ثورة يناير والثورات لا تستنسخ، وعض على المكاسب الديمقراطية التى جاءت بعد ثورة يناير بالنواجذ.