أحد كنوز التاريخ.. إنه مشروع وطنى نادر التكرار.. مناضل يستحق التأمل والدراسة، بل تفاصيل حياته يجب أن تُدرس، مصارع قوى فى معارضة الحكم داخليا، ومقاتل شرس على الحدود دفاعا عن أى تدخل أجنبى فى شئون البلاد، ماهر فى استنهاض الهمم ومواجهة التراجع، آمن بمشروعه ودافع عن أفكاره منذ الصغر، فى شبابه راهن على مستقبله. وفى شيخوخته استند إلى ماضيه، نشأ فى بيت النضال فامتلك موهبة الكفاح. أبهرته تجربة شقيقه فى حزب مصر الفتاة. بدأت علاقته بالسجون والمعتقلات مبكرا، فصقلت صلابته وقوته العلمية فى استكمال الطريق. خرج من السجن عام 1955 بكتاب «أمريكا تنهب بترول العرب» فى محاولة للتحذير من النفط العربى. فى الخمسينيات تحول إلى الفكر الماركسى، ثم رحل ناصر فلم يخف عادل حسين حزنه على ابن الفكر القومى الناصرى الذى انتقل إليه تدريجيا. ظل هذا الفكر يسيطر على قناعاته فأصدر كتابه الشهير «الاقتصاد من الاستقلال إلى التبعية»، أى من الاستقلال فى عهد عبد الناصر إلى التبعية فى عهد السادات. فشل السادات فى ترويض هذه العقلية، لكنه نجح فى إقصائه من دار أخبار اليوم الذى كان يترأسها آنذاك خالد محيى الدين، كان يرى وجوده فى الزنازين فرصة كبيرة لمراجعة النفس والفكر، تاهت منه معالم الطريق، فتعرفها فى الفكر الإسلامى. اقتنع تماما بتحولاته الفكرية، فصار مهندسا فى رسم خريطة «التحالف الإسلامى» تحت مظلة حزب العمل والإخوان المسلمين، وجاءت انتخابات عام 1987 فحصدت القوى الإسلامية 64 مقعدا برلمانيا تحت شعار «الإسلام هو الحل»، بتوقيع عادل حسين. ترأس صحيفة الحزب واعتبرها وسيلة للتعبير عن صوت الشعب، فصار وكيلهم فى الدفاع عن قضاياهم، وبدأ فى الدفاع بالاشتباك مع رأس الجناح الذى يحمى النظام بأكمله «زكى بدر» وزير الداخلية الأسبق، فظن البعض أنه لن يقوى على مواجهة عنف وبطش وزير داخلية مصر، ففاجأ الجميع بضربة جديدة ومانشيت أصاب حسن الألفى وزير الداخلية وأسرته فى مقتل. استشعر الاختراق الصهيونى ضد الزراعة المصرية، ففتح النيران بكل قوة على يوسف والى أحد أهم رجال نظام مبارك آن ذاك. أنواء السلطة الحاكمة لم تمنع سفينته من التوغل فى بحور المعارضة بحثا عن حيتان تأكل قوت الشعب. حوّل صحيفة «الشعب» التى ترأس تحريرها إلى منبرا للإسلاميين بمن فيهم «الإخوان المسلمين». فتفرغ جناح داخل نظام مبارك للعمل السرى من أجل إغلاق الحزب والجريدة. حاول النظام فى مفاوضات سرية مع رئيس الحزب إبراهيم شكرى استبعاد العقل المدبر عادل حسين وابن شقيقه مجدى أحمد حسين، لكن شكرى قابلها بالرفض القاطع. من أوائل الذين قاتلوا ضد التطبيع وتبنى معارضة الحلف الأمريكى الصهيونى مطالبا ببناء حلف إسلامى عربى. عرف قيمة سلاحه الصحفى فى معارك تكسير العظام التى خاضها مع النظام، فظل يدافع عن حرية الصحافة حتى آخر نفس. آمن بالحرية لكنه لم يكن يرى أن هناك حريات مطلقة فجاءت آخر معاركه قضية رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائى السورى حيدر حيدر التى تضمنت عبارات مسيئة للدين وللذات الإلهية. وكانت المشهد الأخير لإغلاق الصحيفة وتجميد الحزب. سبق الآخرين فى إثارة قضايا حيوية مثل المبيدات المسرطنة، وفساد حسين سالم. وملف التوريث ولصوص البنوك وغير ذلك. وإذا حاولنا أن نفكر فى مد خطه السياسى على استقامته، لوجدناه مثل نيزك يهبط على الميدان يوم 25 يناير 2011 ليضىء الظلام الذى حاول الراحل عادل حسين أن يزيله على مدار ما يزيد على نصف قرن. فى حياته لم يكن عاديا وفى مماته لم يكن رحيله عاديا، فقد احتشدت قوات الأمن وكأنها -حسب قول البعض- جاءت للتأكد بعينها أن المناضل والمفكر عادل حسين هو الذى رحل. وفى هذه اللحظة يوم الجمعة 16 من مارس تم تشييع جنازته وردد أصدقاؤه قصيدة الشاعر أحمد مطر التى تقول: حين أموت وتقوم بتأبينى السلطة وتشيع جسمانى الشرطة لا تحسب أن الطاغوت قد كرمنى بل حاصرنى بالجبروت وتتبعنى حتى آخر نقطة كى لا أشعر أنى حر حتى وأنا فى التابوت ونعاه وقتها كافة الوطنيين والمفكرين والكتاب والسياسيين مثل الرئيس الجزائرى الراحل أحمد بن بيلا والمفكر الإسلامى الراحل عبد الوهاب المسيرى ود.يوسف القرضاوى وغيرهم الكثير.