ستيوارت ميل وروسو ومنتسكيو يتألمون فى قبورهم من تصرفات الليبراليين المصريين يمكن لجبهة الإنقاذ أن تستولى على السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال أسابيع ولكنهم يخشون الانتخابات الحلف المعادى للشرعية الذى يسعى لإسقاط الرئيس المنتخب: حلف الأمن – الإنقاذ – الوطنى – أمريكا – إسرائيل، هذا الحلف كان يستهدف دائما عند كل خطوة من المرحلة الانتقالية عرقلة التقدم على طريقة: مش لاعبين. وهم يركزون هجومهم على الإخوان المسلمين لأنهم التنظيم الإسلامى الأكبر ولأنهم أساسا هم الذين وصلوا للسلطة. ولكنهم يستهدفون التيار الإسلامى بأسره، وهم يدركون أن التأثير على شعبية الإخوان ربما يؤدى إلى تحول قطاعات من الجماهير لأحزاب إسلامية أخرى، وهذا هو الأمر الأكثر احتمالا، ولذلك سيظل مجموع أصوات ومقاعد التيار الإسلامى يتراوح حول الثلثين، إذن لا بد من هدم المعبد على رءوس الجميع. فى الأول طالبوا بالدستور أولا، ولما رفض الشعب حاولوا بكل السبل بالتعاون مع المجلس العسكرى لتأجيل الانتخابات التشريعية حتى مر عام بأسره فى ألعاب ومناورات حقيرة، وعندما تم التوافق على قانون الانتخابات وتم تشكيل مجلسى الشعب والشورى بدأوا فى اليوم التالى مشوار حل المجلسين. وتم حل مجلس الشعب بعد 4 شهور بالتعاون بين العسكرى والدستورية. وتم قطع شوط لحل مجلس الشورى، ثم تم حل الجمعية التأسيسية الأولى، وكانت الثانية على وشك الحل هى والشورى، وهذا هو السبب الجوهرى للإعلان الدستورى الثانى للرئيس مرسى والذى كان محقا فيه تماما حتى وإن لم تكن الصياغات موفقة. لأن الإعلان كان يستهدف تحصين هذين المجلسين أساسا فحسب. وكل هذه المجالس مكونة وفقا لاستفتاء مارس 2011 الذى قرر التيار العلمانى عدم الاعتراف به رغم أنه شارك فيه ولم يطعن على نزاهته!! وبعد أن أصبحنا أمام الدستور أولا لم يكونوا يناقشون حقا بقدر ما كانوا يعرقلون، حتى وصل الهزل إلى البوذية والهولوكست. فهم يخشون انتقال المجتمع إلى الاستقرار مما يزيد شرعية الإخوان والتيار الإسلامى، فعادوا من جديد إلى شعار هدم المعبد على رءوس الجميع. وبعد سنتين من التقدم السلحفائى فى المرحلة الانتقالية يريدون وقد تحولوا إلى حلف عريض من كل المكونات السالفة الذكر للعودة بنا إلى نقطة الصفر. كأن هذه الأمة ليست مشغولة بأى هموم حقيقية بل لديها ترف الفراغ فلماذا نتوقف عن المبادرات؟ فيخرج علينا كل يوم شخص أو حزب يدعو إلى مبادرة للخروج من الأزمة، وتنعقد المؤتمرات الصحفية وتتحدث المحطات الفضائية بكل جدية حول هذه المبادرة ويتم تقليبها على عشرات الأوجه، ويمتد الأمر لساعات أو أيام حتى يظهر شخص آخر ببدلة ورابطة عنق وأحيانا يكون سبور (كاجوال) ليعلن مبادرة جديدة، ويقطب المذيعون حواجبهم ويتمعنون بجدية فى هذه المبادرة الجديدة ويقلبونها على ألف وجه، ثم يأتى فقهاء السياسة والقانون المزعومون ليعقدوا مقارنة بين المبادرة الأولى والثانية، وأوجه الشبه والخلاف بينهما، إلا أن القدر لا يمهلهم كثيرا إذ تتراءى فى الأفق وتبلغ الأسماع أنباء عن مبادرة ثالثة وأن صاحب هذه المبادرة طلب لقاء الرئيس ورموز الإنقاذ، ويفغر الجمهور فاه إذن لقد وصلنا إلى نقطة الفصل! ولكن أحد زعماء الإنقاذ يكتب على التويتر من كوالالمبور أنه لن يلتقى بالرئيس إلا على جثته. وهكذا نبدأ من جديد من نقطة الصفر. والمقصود من كل ذلك أيها الإخوة المصريون هو إصابتكم بالدوار والملل والزهق والقرف من الساسة والسياسيين ومن الثورة والثوار، وأن تترحموا على أيام الاستبداد والفقر فى عهد المخلوع لأنه على الأقل كنت تجد وسيلة مواصلات وسولارا وكنت تشعر بالأمان الشخصى طالما أنت بعيد عن السياسة وعن أكمنة الشرطة، أما الآن فأنت تواجه ملايين الأكمنة المحتملة من بلطجية قد يسرقون سيارتك أو يأخذون مالك أو يقتلونك أو يشرحون وجهك أو يخطفون ابنك أو زوجتك أو ابنك. أما فى عهد مبارك فالعواقب كانت معروفة إذا كنت بعيدا عن السياسة ووقعت فى كمين للشرطة فستدفع رشوة وأنت معزز مكرم أو تذهب للقسم يوم أو يومين وقد تأخذ علقة ساخنة واحدة أو اثنين وينتهى الأمر عند هذه الحدود. أما الآن فسقف التوقعات أصبح مفتوحا!! لذلك لماذا لا يحكمنا السيسى وأبو السيسى كمان؟ إذا كان حكمه سيوقف سيل البلطجة المنهمر على دماغ اللى خلفونا. خاصة وقد لاحظنا أن للجيش تأثيرا سحريا بمجرد أن يظهر يختفى البلطجية؟! ياترى ليه؟ اسأل نفسك؟! بعض برامج "توك شو" والصحف المشبوهة تلعب دورا أساسيا فى توصيل المواطن لهذه الحالة النفسية، فطالما أن الليبراليين عاجزون عن الوصول للحكم عن طريق الانتخابات، فلماذا لا يطالبون بالانقلاب العسكرى. شعرت بأنين جون ستيوارت ميل وجان جاك روسو ومنتسكيو وغيرهم.. شعرت بأنينهم فى قبورهم رغم بعد المسافات، شعرت بعظامهم المتبقية تصطك ببعضها وبأديم الأرض، رغم بعد المسافات سمعت هذا الأنين ربما لأن كتبهم التى مجدوا فيها الحرية والليبرالية مصفوفة أمامى فى المكتبة. سمعتهم يتأوهون ويرون أن دعوة البرادعى وباقى الذين يسمون أنفسهم ليبراليين إلى انقلاب عسكرى هو أكبر إساءة لمذهبهم فى الحرية، ورأوا فى تصرفات جبهة الإنقاذ المصرية لونا من تعذيبهم فى القبر!! وأتمنى أن أجد وقتا لإنصاف الليبرالية وآراء هؤلاء الإعلام رغم خلافى مع فكرهم، بعد أن تم تشويه مذهبهم بأدعياء الليبرالية فى العالم الجنوبى وليس فى مصر وحدها. مؤقتا أتحدى أن يكون من يسمون أنفسهم ليبراليين قد درسوا حقا كتابات رواد الفكر الليبرالى الغربى. ولكن دعونا فى بلوتنا الآن فى مصر.. هم يصورون أن حكم مرسى أسوأ من حكم مبارك وأسوأ حكم فى تاريخ البشرية، ولا مانع أن يكون هذا رأيهم ولكن الطريف أنهم يقولون بذلك منذ أوائل أغسطس الماضى أى بعد تسلم مرسى للحكم بشهر. وأنا لا أدافع قط عن ممارسات وسياسات مرسى والإخوان، بل تشهد هذه الصفحة وغيرها على انتقاداتنا المريرة لهم فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولكننا ندافع عن استقرار البلاد وأمنها ورفعتها. علينا أن نقر ونعترف بل ونسعد أننا أصبحنا دولة ديمقراطية، وأن الحريات كافة أصبحت مكفولة، وأن تداول السلطة صار مضمونا، وأن الانتخابات صارت نزيهة. ويجب أن نسعى لاستكمال المؤسسات لنمارس الخلاف والعراك والشجار إن شئتم بالوسائل السلمية الديمقراطية. من خلال البرلمان والمجموعات والائتلافات البرلمانية ومن ثم الحكومية. الانتخابات المحلية. الانتخابات النقابية. تعزيز وتقوية البنيان التنظيمى لسائر الأحزاب. المنافسة الإعلامية والثقافية والفكرية الشريفة، وليس المهاترات الحالية. انتخاب مجالس إدارات المراكز الشبابية. الحراك فى الانتخابات الطلابية الأخيرة نموذج على إمكانية التغيير بالوسائل السلمية، وظهر هذا جزئيا من قبل فى انتخابات نقابة الأطباء على سبيل المثال. انتقال مصر من حالة انعدام الوزن الراهن إلى حالة الوقوف على الأرض والاستقرار عليها لا يتأتى إلا بخيار واحد لا لأنه مثالى 100% ولكن لأنه الخيار الوحيد المتاح والشرعى والأقصر زمنيا. وهى ببساطة الخطة التى أقرها الشعب فى استفتاء 19 مارس 2011 ليس لأنها خطة ممتازة إلى حد أنها مبرأة من العيوب، ولكن لأنها الخطة التى أقرها الشعب ولأنها تستهدف أهدافا لا خلاف عليها: التأكيد على الحكم المدنى لا العسكرى.. استكمال المؤسسات الدستورية التى لم تنتخب بعد.. العودة إلى الحياة الطبيعية فى ظل شرعية دستورية. فى إطار دستور شارك الجميع فى صياغة 90% من مواده ثم شارك الجميع فى التصويت عليه وحظى بأغلبية الثلثين. وأكرر للمرة العاشرة بعد الألف أن أى قوة أو ائتلاف سياسى قادرة فى حالة الحصول على 50% من المقاعد + 1 أن تمتلك السلطة التشريعية وأن تشكل الحكومة. فماذا يريد المعارضون أكثر من ذلك خلال أسابيع قليلة!! من يرفض هذا الطريق السهل والواضح والمغرى وهو فوق ذلك مقر باستفتاء ولا يملك أحد تغييره. من يريد استمرار الحالة الانتقالية إلى أبد أبدين بدون سلطة تشريعية حقيقية ومتكاملة لا يمكن أن يريد سوى وقف حال البلد. فاتعظوا يا أولى الألباب.