تواصل الأذرع الأمنية لنظام عبدالفتاح السيسي في فرض قبضتها الأمنية على الشارع السياسي , حيث يتم سحق أي صوت يعلو فوق صوت الجنرال, ونشر موقع "ميدل إيست آي" مقالًا للصحفي "عمرو خليفة", يتطرق إلى جمهورية الخوف التي رسخ لها السيسي منذ انقلاب يوليو, ويقول خليفة: "إن المفكرين المستقلين يخيفون الحكام، ولذلك عليهم أن يشعروا باليد الحديدية، ففي هذا البلد قد يؤدي بك الرأي، أو صفحة (فيسبوك) أو المقال، أو الحديث العابر، الذي ليس بالضرورة سياسيا، إلى السجن، الخوف في هذه المناطق هو المهيمن.. مرحبا بك في أرض الخوف". وخلال زيارة "خليفة" لأحد المقاهي, في شوارع القاهرة, تفاجئ بخلو المقهى من الزبائن ,مشيرا إلى أن صديقا له أخبره بأن الحكومة سعت على مدى السنوات القليلة الماضية لإخلاء أمثال هذا المقهى، من خلال المداهمات المتعددة لها. واستعان الكاتب برأي "فيفيان ماثياس- بون" أستاذة العلاقات الدولية المتخصصة في الشرق الأوسط في جامعة أمستردام , التي بدورها علقت قائلة " يؤدي الخوف دورا بارزا في الحياة المصرية العامة", مضيفةً أن الأنظمة الشمولية في أنحاء العالم تستخدم الخوف دائمًا لحكم الناس, والاحتفاظ بالسلطة. وأردف خليفة , "كان منطقيا، بالذات بعد انقلاب 2013، أن يكون العنف هو الرخصة التي تسمح لعبد الفتاح السيسي بالحكم، وكان هناك تحول مهم في النموذج على الأرض، عندما شعر الحكام العسكريون أن أي أمل في تقرير المصير يهدد هيمنتهم السياسية والاقتصادية". وأشار خليفة إلى أن, نظام السيسي أعطى الضوء الأخضر لكل أذرع الأمنية لسحق المعارضة بعنف , ويلفت إلى أن تقريرا رئاسيا -أثناء حكم الرئيس محمد مرسي عام 2012- لم يتم نشره، يظهر بأن الجيش كان مسؤولا عن "قائمة من الجرائم ضد المدنيين، ابتداء من نشرهم في الشارع.. حيث اختفى أكثر من ألف شخص خلال 18 يوما من ابتداء الثورة، وظهر العديد منهم في مشارح مصر وقد قتلوا بالرصاص ويحملون على أجسادهم علامات التعذيب". ويجد خليفة أن "منظمة (هيومان رايتس ووتش) كانت محقة عندما قالت إن التعذيب يشكل وباء في مصر السيسي، وكأن الأخير منح الشرطة وضباط الأمن الضوء الأخضر ليعذبوا متى يشاؤون، وليس أقل خطورة من التعذيب هو القبول به، وصمت ملايين المصريين؛ فهؤلاء وكأنهم اليد اليمنى الخفية للديكتاتور". ويذهب خليفة إلى أنه "كون آلة التعذيب تولد الخوف في نفوس الكثير ليس أمرا غريبا، وبحسب تقرير (هيومان رايتس ووتش): (تبدأ جلسة التعذيب عادة بقيام ضباط الأمن بصعق الشخص المعرى والمعصوب العينين والمكبل اليدين بمسدس صعق كهربائي، وعادة في منطقة حساسة، مثل الأذنين والرأس)". ويوضح الكاتب أن "الهدف ليس هو فقط توليد الخوف لدى الضحية، لكن تحويله/ تحويلها إلى مصنع خوف متنقل، يبث الخوف بين عائلته وأصدقائه ومعارفه". ويقول خليفة إن "الاغتصاب هو أمر مركزي في كوكتيل إرهاب الدولة السرطاني، ففي مجتمع قائم على التحفظ الجنسي، فإن الاغتصاب يستخدم سلاحا قاتلا ضد الجنسين، ففي مصر، حيث تنظر الأغلبية بازدراء للمثلية الجنسية، فإن اغتصاب رجل لرجل يحمل بالذات تعمد إذلال الشخص بقصد إسكاته حتى آخر يوم في حياته". ويعلق الكاتب قائلا: "هذه هي الطرق الواضحة التي يعمل بها الخوف، لكن الصدمة الناتجة عنه هي الهدية البشعة التي تبقي فعاليته، وهذا ما يعتمد عليه النظام، لكن البروفيسورة ماثياس – بون تقول إن البعض (يشعر بتصميم أكبر) لمكافحة النظام". وتقول البروفيسورة للموقع: إن "هذه الاستثناءات موجودة"، وفي الواقع في بعض الحالات تتحمل ما يسعى النموذج العسكري لكسره. ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من هذه الصفعات المصممة بشكل جيد لحرية التعبير، إلا أن هناك من يجرؤ على الكلام، ويقدر العالم جهودهم، ومثال حي على هؤلاء الناشط ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع، الذي فاز بجائزة مارتين إينالز، لكن في الظروف الحالية فإن حتى تلقي الجائزة شخصيا أمر صعب، فبالرغم من عمله الرائع في توثيق الاعتداءات على حقوق الإنسان، فإنه لم يستطع أن يفعل شيئا ليتسلم الجائزة، فهو ممنوع من السفر من الحكومة المصرية، التي تفعل ما بوسعها لإسكات تلك الأصوات، والعقلية ذاتها التي جعلت من زارع شخصية غير مرغوب بها، أغلقت مركز النديم الطبي لعلاج ضحايا التعذيب". ويضيف الكاتب: "نستطيع، بصفتنا محللين، أن نتنبأ متى يمكن أن يقع الانفجار، لكن فعل ذلك دون فهم أرض الخوف يعني إهمال الحقيقة بأن الخوف يسبب الشلل". ويخلص خليفة إلى القول: "قد فهم نجيب محفوظ هذا الأمر، فقال في مذكراته: (سألت الشيخ عبد ربه التائه: متى ستصحح البلد مسارها؟ عندما يدرك الناس أن جزاء الجبن أكبر تكلفة من السلام الذي يأتي به؟)".