الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وهما مترابطان مع بعضهما البعض. كما تربطهما علاقة قوية مع البعد الأمنى، حيث توجد علاقة طردية بين السياسة والاقتصاد والأمن، فكلما حدث استقرار أمنى وسياسى كلما أدى إلى تحسن ونمو والزدهار فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. والعكس صحيح، بمعنى كلما حدث انفلات أمنى وعدم استقرار سياسى كلما أدى ذلك إلى سوء وترهل فى الأحوال الاقتصادية. وذلك لأنه فى حال استمرار المسيرات والتظاهرات تنتشر مظاهر الفوضى وكل أنواع البلطجة، وكل مظاهر أعمال الخروج على القانون، مما يؤدى فى النهاية إلى تعطيل عجلة الانتاج العام فى المجتمع، وهروب المستثمرين الأجانب والعرب إلى الخارج، بل والمصريين أيضًا، وانعدام فرص الاستثمار، وتعطيل خطط التنمية بإعادة توجيه الموارد إلى القطاعات المتعلقة بالأمور الأمنية. وفى ظل مثل هذه الأوضاع، تتفشى مظاهر اجتماعية وثقافية غريبة على مجتمعنا، وتحدث تغيرات فى بنية المجتمع، وتجعل أفراده يتجهوا نحو قيم مغايرة وجديدة تعلى من قيم الفردية والأنانية والانتهازية، بدلا من ترسيخ قيم التعاون الجماعى، أو تعزيز روح الفريق الواحد. إن مشكلة الثورات المصرية -حتى لآن- أنها اقتصرت على البعد السياسى فقط، فكانت ثورات سياسية بامتياز، ولكنها لم تنتقل بعد إلى الجوانب الثقافية والسلوكية الاجتماعية، بل على العكس تمامًا، حيث تحولت القاهرة إلى بلد «المليون كشك»، واحتل الباعة الجائلين الميادين والشوارع، وافترشوا الطروقات، فزادت حالة العشوائية، وتكدس المرور، واختنقت العاصمة. والغريب هنا، وفى ظل هذا المشهد الاستثنائى، اختفت الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى، التنموى والخيرى، واقتصر دورها فى الظهور فى وسائل الإعلام المختلفة، المرئى والمقروء والمسموع، تندد وتناشد وتطلب تحقيق أمور لا يمكن تحقيقها فى ظل هذه المرحلة الانتقالية الحرجة. وعلى الرغم من النجاح الباهر الذى حققت المؤسسات الأمنية، العسكرية والشرطية، فى تحجيم الفوضى والعنف فى الداخل ومحاربة الإرهاب فى سيناء، إلا أن استمرار تنظيم الإخوان المسلمين فى المظاهرات والمسيرات بداخل القاهرة وتخومها يرهق هذه المؤسسات، ويستنزف قدراتها ومقدراتها، ومن ثم على الجميع أن يعرف ذلك جيدًا، ويتحسب له على المدى القصير بانجاز المرحلة الانتقالية وتسليم البلاد إلى رئيس مدنى منتخب، وعلى المدى البعيد، بتطوير قدرات ومهارات هذه المؤسسات عن طريق رفع قدرات ومهارات قوتها البشرية والمادية، وذلك عن طريق تطوير أجهزاتها ومعداتها الدفاعية والاستخباراتية والقتالية فى ذات الوقت. وما زاد «الطيبن بله»، الدور السلبى الذى تلعبه وسائل الإعلام، أو ما يمكن أن نطلق عليه «المطبلاتية الجدد». ففى المجتمعات الفقيرة، مثل مصر، والتى ترتفع فيها نسبة الأمية، تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا ومؤثرًا فى توجيه وتشكيل وعى الجمهور، وهو ما أثبتته الكثير من الدراسات التى تناولت تأثير وسائل الإعلام على الرأى العام. وبدلاً من أن تلعب وسائل الإعلام المصرية دورها كأداة من أدوات التنشئة السياسية فى المجتمع مثلها مثل الأحزاب والقوى السياسية، تلعب دورًا سيئًا أدى إلى مزيد من الانقسام والانشقاق وزيادة حدة الصراع السياسى، وما الزاد الطين بلة» هو دخول بعض وسائل الإعلام العربية والإقليمية والدولية حلبة الصراع، مما أدى إلى زيادة الانشقاق وتكريس الصراع. والخلاصة، إن خطورة الأوضاع القائمة الآن وإذا لم يع القائمين على المرحلة الانتقالية ذلك، أو ظلت أيدهم مرتعشة- تتمثل فى عدم قدرة ثورتى 25 يناير و30 يونيو على تحقيق أهدافها المتمثلة فى «عيش .. حرية عدالة اجتماعية...كرامة إنسانية»، وذلك لأنه ليس بالضروة أن تؤدى الثورات إلى الأفضل أو تحدث تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية أفضل مما كان الوضع عليه قبل قيام الثورة.