استطلاعات الرأي تمثل أحد أهم القياسات التي تعبر عن اتجاهات الرأي العام في مختلف النواحي المتعلقة بحياة المواطنين أو الدولة ومؤسساتها سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وحتي يكون لهذه الاستطلاعات مصداقيتها ينبغي أن تكون مراكز الاستطلاعات مشهودا لها بالحيدة والاستقلالية، والمعيارالحاكم في هذا الأمر هو التمويل والجهة التي يتبعها مركز استطلاع الرأي. وفي أغلب الأحيان لا يستسيغ المواطن أن تتبع هذه المراكز للحكومة، حيث هناك شك دائم وانعدام ثقة بين المواطن والحكومة خاصة في النظم السلطوية التي تحكم قبضتها علي مقاليد البلاد، بينما تتجه الثقة إلي المركز التي يأخذ الطابع المستقل عن الكيانات الحكومية، ويتشكل قوامها علي اعتبارها مؤسسة مجتمع مدني أو تابعة لمراكز أكاديمية مستقلة أو مشهورة بمصداقيتها. حول استطلاعات الرأي العام ومدي مصداقيتها أقام مركز بحوث واستطلاعات الرأي العام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ندوته العلمية الأولي بعنوان «مصداقية استطلاعات الرأي العام». جاءت أهمية انعقاد هذه الندوة منذ أن شكلت استطلاعات الرأي عاملاً مهماً في التعرف علي المزاج الشعبي العام من المسائل الجدلية في عملية صناعة القرار العربي بصفة عامة، خاصة بعد موجات التحولات السياسية التي شهدها الوطن العربي في بدايات عام 2011 الذي شهد سقوط عدد من أنظمة الزعامة الفردية التي نصبت نفسها وصية علي المصلحة الوطنية للأوطان لعقود طويلة.. ورغم ذلك وبعد هذه التحولات مازالت النظرة الرسمية لعمليات الاستقراء والدراسات والأبحاث في القطاع الخاص ولذي النخب المثقفة أو الخبراء والعلماء المتخصصين في المجالات المختلفة وخاصة الإنسانية منها تصنف ضمنت دائرة الترف الفكري والتنظير. وفي هذا الصدد يؤكد د. فاروق أبو زيد، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا ورئيس مركز بحوث واستطلاعات الرأي العام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، يؤكد أن أي نظام سلطوي مستبد أو فاسد لا تصلح فيها استطلاعات الرأي العام، فلو تم الاستطلاع فغالباً ما يتم تزويرة لصالح النظام ولعل أكثر الأدلة المشهورة في ذلك والتي تعد سابقة في تاريخ استطلاع الرأي العام، ذلك الاستطلاع الشهير حول موافقة المصريين علي اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع إسرائيل، فقد جاءت نتيجة الاستطلاع أن 100% من المبحوثين موافقون علي الاتفاقية وزيارة الرئيس الراحل انور السادات إلي القدس، وهذا غير صحيح، وظل هذا الاستطلاع سية في جبين مصر، ومثار تندر في جميع مراكز بحوث استطلاع الرأي في العالم- بل كان نكسته مصرية وليس استطلاعاً للرأي ومن هنا فإن مراكز استطلاع الرأي العام يجب أن تكون مستقلة وبعيدة عن رقابة الحكومة، فيراقبها المجتمع حتي لا تتأثر بأتجاهات الحكومة.. وأفصح «أبو زيد» عن أن مركز بحوث واستطلاعات الرأي العام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تموله الجامعة بالكامل ولا يقبل أي تمويل خارجي، وأن المركز أجري حوالي خمسة استطلاعات، منها ما يحض بالانتخابات التشريعية بعد ثورة يناير والانتخابات الرئاسية وحول الاستفتاء علي الدستور الجديد، وكانت جميع نتائج هذه الاستطلاعات مطابقة لنتائج الانتخابات والاستفتاء علي الدستور، وننتظر الآن الانتخابات التشريعية الجديدة ونتنمني أن تكون نتائج استطلاعتنا مطابقة لنتائج هذه الانتخابات. وحول الحريات التي يتمتع بها الإعلام المصري بعد الثورة تأسف «أبو زيد» عن واقع هذه الحريات للإعلام المصري مؤكداً أن الحرية التي نعيشها الآن بعد الثورة يحكمها العرف؛ أي لا يساندها القانون، من جانبه أكد الكاتب الكبير السيد ياسين أنه لقياس اتجاهات الرأي العام في أي مجتمع فيلزم أن يتمتع بالديمقراطية أولاً، ولكن إذا انعدمت هذه الديمقراطية فلن تستطيع أن تتعرف علي اتجاهات الرأي العام بأمانة وموضوعية، ولذلك فنحن في مصر من الصعب أن نقيس استطلاعات الرأي العام بشكل صحيح لأن الديمقراطية هي الأساس، والذي نراه للمشهد السياسي المصري هو فشل لعملية الديمقراطية في الدولة المصرية؛ لأن الديمقراطية ليست لها جذور راسخة في مجتمعاتنا، ومن يقولون أن الديمقراطية تكون عبر صندوق الانتخابات فهذا نوع من التدليس الفكري، فالديمقراطية لها آليات واخلاقيات، وليس فقط الصندوق هو المعيار الوحيد لقياس لديمقراطية. ونبه «ياسين» عن استطلاع الرأي التي تتم عبر شبكة الإنترنت مشككاً في صحتها مبدياً دهشته من الاعتماد علي قياس الرأي العام إلكترونيا في مجتمع نسبة الأمية فيها «40%»، فكيف يصل هؤلاء إلي الانترنت واستخدامه؟!! وعن المشهد السياسي الذي أفرز عن وجود مساحة كبيرة للسلفيين بعد الثورة ورغم الانتقادات الكبيرة الموجهة إليهم واندهاش البعض بتواجدهم وتأثيرهم، إلا أن السيد ياسين اعتبر أن خطاب السلفيين أكثر اعتدالاً من الإخوان المسلمين، وأكثر رشادة سياسية. أما الدكتور محمد شومان، عميد المعهد العالي للإعلام بأكاديمية الشروق فقد أكد علي أهمية استطلاعات الرأي العام في المجتمع، فقد قال جالوب، مؤسس مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي أكبر منظمة لاستطلاع الرأي في أمريكا و140 دولة» قال استطلاع الرأي هي نبض الديمقراطية.. ولذلك أوضح «شومان» من أن استطلاعات الرأي تهدف في بعض الأحيان إلي تزوير إرادة الناخبين والتأثير عليهم، وخاصة في ذلك التي تجري أثناء السباق الانتخابي سواء الرئاسي أو البرلماني، ولذلك فأنا ضد أن تجري الاستطلاعات أثناء السياق الانتخابي، فأفضل فترة تجري فيه استطلاعات الرأي هي تلك التي تنقطع فيها العلاقة بين الجمهور ورئيس الدولة أو الهيئة البرلمانية، فنكون المصداقية أكبر في هذه الاستطلاعات، لأن عوامل التأثير تكون قد زالت. ولعل هذا ما حدث عندنا أثناء الانتخابات الرئاسية، فلم تتوقع مراكز استطلاعات الرأي العام علي الإطلاق فوز الرئيس محمد مرسي وأن يأتي المرشح حمدين صباحي في المركز الثالث، وبينما كانت الاستطلاعات تتجه إلي صعود كل من د. عبدالمنعم أبو الفتوح وعمرو موسي، وانتقد ايضا «شومان» المناظرة الشهيرة بين عمرو موسي وعبدالمنعم أبو الفتوح والتي استمرت لأكثر من 4 ساعات يتخللها فواصل إعلانية كثيرة، مؤكداً أنها مناظرة خاطئة وللأسف أشرف عليها وكالات الإعلانات بهدف التربح المادي وليس الوصول إلي الحقيقة، بينما في أمريكا يتم التنسيق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإجراء المناظرة بين مرشحيهما لرئاسة أمريكا ويتم وضع الأسئلة مسبقاً، ولا تستغرق المناظرة أكثر من ساعة ونصف الساعة، وتقام في إجدي الجامعات. وعلي صعيد آخر حذر «شومان» من مراكز بحوث سرية لاستطلاع الرأي العام وتقوم بأدوار مشبوهة ولا أحد يعلم من الجهة التي وراءها ومصادر التمويل. وقد أوصت الندوة بعدد من التوصيات أهمها: - العمل علي نشر ثقافة استطلاع الرأي العام. - إلغاء القيود القانونية التي تحول دون حرية إجراء استطلاعات الرأي العام مع ضمان المصالح الوطنية ومراعاة الأمن القومي للبلاد. - الدعوة لإنشاء «مجلس وطني لمركز بحوث واستطلاعات الرزي العام في مصر» لتنظيم أنشطتها وضوابطها. - وضع ضوابط لنشر نتائج استطلاعات الرأي العام في مصر.