إن الشكر من اخلاق الاسلام التي مدحها الله ورسوله في الكتاب والسنة. وهو من الاخلاق التي تدل علي الانصاف والنزاهة في ظاهر المرء وباطنه. كما يترتب عليه كثير من الخير في الدنيا والثواب الكبير في الآخرة مع علو الدرجات. وغفران الذنوب. وفي الحديث: "أن رجلا رأي كلبا يأكل الثري من العطش. فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتي أرواه. فشكر الله له. فأدخله الجنة" "رواه البخاري". ولذا كان من أوصافه تعالي: "الشكور" كما في قوله تعالي: "والله شكور حليم" "التغابن17". والشكر يكون في الحقيقة لله سبحانه وتعالي. ويكون أيضا لخلق الله ولكنه علي سبيل الوسيلة. كما ورد في الحديث "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" "أحمد. وأبوداود. والترمذي". فشكر الله تعالي علي نعمه واجب شرعا من حيث الجملة. فلا يجوز تركه بالكلية. وقد استدل الحليمي لذلك بالآيات التي فيها الأمر. نحو قوله تعالي: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" "البقرة: 152". وقوله سبحانه: "فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون" "الاعراف:70". وقال الرازي عند قوله تعالي: "إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً" "الانسان: 3". المراد من الشاكر الذي يكون مقرا معترفا بوجوب الشكر عليه. ومن الكفور الذي لايقر بذلك إما لأنه ينكر الخالق أو لأنه ينكر وجوب شكره "التفسير الكبير". وللشكر منزلة عظيمة. فهو أرقي من الصبر والرضا كما ذكر صاحب "غذاء الالباب": أن الصبر واجب بلا خلاف. وأرقي منه الرضا. وأرقي منهما الشكر. بأن تري نفس الفقر مثلا نعمة من الله أنعم بها عليك. وأن له عليك شكرها. والاكثار من الشكر مستحب خاصة عند تجدد النعمة. كما ثبت أنه صلي الله عليه وسلم كان يخر لله ساجدا شاكرا له عند سماع خبر فيه نصر أو خير. وللشكر مواضع يندب فيها كالطعام والشراب والملبس. وحث الشرع الحنيف في الكتاب العزيز وفي سنة رسوله العظيم علي شكر الناس. لما في هذا الخلق من آثار جليلة في وحدة المجتمع المسلم. وحسن المعاملة. التي هي ثمرة التقوي والايمان فقد قال سبحانه وتعالي: "أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير" "لقمان:14". وفي هذه الآية اشارة إلي شكر كل من له فضل علي المسلم. وقدم له معروفا. فإن الوالدين استحقا الشكر لانهما تفضلا علي الابن بأعظم المعروف. وهو حمايته وحفظ حياته حتي عقل. ولذلك قرن الله شكرهما بشكره سبحانه وتعالي. أما ما ورد في السنة فهو كثير نذكر منه مثلا ما رواه أحمد من حديث الاشعث بن قيس مرفوعا مثل حديث أبي هريرة ورواه أيضا بلفظ آخر "إن اشكر الناس لله تعالي أشكرهم للناس". وعن عائشة رضي الله عنها مرفوعا "من أتي إليه معروف فليكافيء به فإن لم يستطع فليذكره فمن ذكره فقد شكره" رواه أحمد. وفي حديث آخر الأمر بالمكافأة "فإن لم يستطع فليدع له" رواه أبو داود وغيره. وعن أسامة مرفوعا "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم "قال: من أبلي بلاء فذكره فقد شكره وإن كتمه فقد كفره" رواه أبو داود. وعن النعمان مرفوعا "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير. ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل. والتحدث بنعمة الله عز وجل شكر وتركها كفر. والجماعة رحمة. والفرقة عذاب" رواه أحمد. وعن أنس قال: "إن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهبت الأنصار بالأجر كله قال لا ما دعوتم الله عز وجل لهم وأثنيتم عليهم" رواه أبو داود والترمذي. ففي هذه النصوص الشرعية الدليل الواضح علي أن الاسلام اعتني بحسن المعاملة. ودعا إليها بالقول والفعل. وهذا ليضرب المسلمون في مجتمعاتهم التي تبني علي هذا الخلق العظيم أروع المثل في التأسي بهم. ويكون لهذا الاثر الكبير في بلوغ دعوة الله إلي العالمين. وفي الختام فهذا عرض موجز لما في شرع الله من حث علي هذا الخلق العظيم. والذي به تزيد المحبة بين الناس. ويصل المجتمع إلي النضوج البشري المنشود. نسأل الله سبحانه وتعالي أن يجعلنا من الشاكرين. ويشكر لنا أعمالنا إنه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.