في هذه الأيام و"الربيع العربي" يملأ الدنيا باخباره والأحاديث في مختلف الأوساط لا تتوقف عما يجري في الساحة العربية من مظاهرات واقتتال وسفك للدماء وصراعات ونداءات تطالب بوقف الظلم ووضع حد لهذه المذابح والمعارك الدموية التي تثير الأسي والاستياء في هذه الأيام التي تظلل عالمنا العربي والإسلامي بأجوائها الروحانية وتنشر في سمائها العربية الحق والعدل والسماحة والرحمة والتعاطف والتكافل الاجتماعي بالإضافة إلي الكثير من المبادئ السامية التي تمتع كل الطوائف في رحابها بالمودة والمحبة وعاشوا في ظلالها آمنين. ووسط هذه الأجواء لم أجد أفضل من حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - للناس يوم الحج الأكبر من فوق جبل عرفات وهو علي ناقته القصواء فقد أشار إلي ابن عمه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قائلا: اسكت الناس. ثم قال - صلي الله عليه وسلم -: "إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض" ثم مضي يقول: إن هذا البلد حرام بحرمة الله - يقصد مكة - مضيفا - صلي الله عليه وسلم -: إلا إن دماءكم واعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب اللهم هل بلغت اللهم فاشهد. لعله لا يغيب عنا أن الكثير من الجرائم ترتكب في هذه الأيام دون تقدير لهذه المبادئ السامية التي أعلنها رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع وكأنه يعايش عالمنا هذه الأيام فيخبرنا جميعا بأن الاعتداء علي النفس البشرية أيا كانت ديانتها أو معتقداتها حرام بل إن قتل النفس أشد عند الله من حرمة الكعبة المشرفة لأن النفس البشرية أشد حرمة عند الله من هذه الكعبة التي يطوف الآن حولها الملايين من كل انحاء الدنيا كما أن نهب الأموال وسلبها تحت قهر السلاح والبطش لا يليق بنا ولا بسائر الناس الذين لايدينون بالإسلام لأن كل الشرائع السماوية واحدة وأشار القرآن الكريم إلي ذلك بكل وضوح لكي يخرس كل الألسنة التي تحاول تشويه تعاليم الدين الحنيف ففي سورة الشوري يقول الله تعالي: "شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر علي المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" 13 الشوري. إن الصورة التي تجري علي أرض هذا العالم العربي لا تسر أحدا سواء من القائمين علي شئون هذا العالم أو غيرهم فالمظالم قد تجاوزت كل الحدود التي رسمها الله علي لسان نبيه محمد - صلي الله عليه وسلم - في الأراضي المقدسة وأن الذين يتشدقون كثيراً بأنهم ينتمون إلي الأديان السماوية لا يحترمون هذه القيم ولعلنا لا ننسي أولئك الناس الذين انتهزوا فرصة الانفلات الأمني في مصرنا العزيزة واخذوا يعيثون في الأرض فساداً يستوقفون الناس ويأخذون سياراتهم وأمتعتهم يخطفون الأبناء ويطالبون بفدية ملايين الجنيهات يرتكبون هذه الجرائم في هذه الأيام من الشهر الحرام.. حجاج بيت الله الحرام يلجأون إلي الله وينعمون بالأمان في هذه الرحاب المقدسة وهؤلاء المجرمون لا يحترمون هذه الأوقات ويقتحمون علي الناس بيوتهم يسرقون ويرتكبون جريمة ازهاق النفس البشرية ولا يرعون حرمة امرأة أو فتاة تمضي في الطريق بمفردها وآخرون لا يراعون حرمة الميت بعد سقوطه في يد الثائرين علي القهر والبطش.. كثير من الحقوق والحرمات تنتهك دون تقدير لنداء سيد الخلق في عرفات الله فهل هذا يتناسب مع الذين يدينون بالإسلام شريعة ومنهاجاً أو مع غيرهم من اتباع الديانات الأخري الذين يشيعون القهر ويشجعون الظالمين وما يجري من أمريكا وإسرائيل هذه الأيام ابلغ دليل وأفضل شاهد! أعتقد أن نداء رسول الله - صلي الله عليه وسلم - واضح وضوح الشمس ويجب أن نضعه نصب أعيننا خاصة في أيام ثورات الربيع العربي إذ لا يمكن لأمة أن تنهض من كبوتها دون التمسك بتلك القيم التي تؤكد حرمة النفس البشرية وتنهي عن أكل أموال الناس بالباطل المجتمعات ترتقي بالأساليب الحضارية والأمن والأمان من أهم الأمور التي يجب أن تكون في بؤرة اهتمامنا هذه الأيام ولا نتعجل الحصول علي الحقوق بالتظاهر والوقفات التي تعطل مسيرة العمل وتصيب الحياة بالشلل ولا تحقق غرضا لأحد في ظل توقف عجلة الإنتاج علينا أن نتمسك بضبط النفس والالتزام بالصبر ونحن بإذن الله علي أعتاب مرحلة جديدة سوف تفيض بالخير علي أبناء مصر وكذلك علي البلاد العربية التي تعيش مثل ظروفنا وليتنا ندرك أن المطالب لن تتحقق بين يوم وليلة العمل العمل ثم العمل فلا طريق غيره لتحقيق الآمال والحصول علي كل الحقوق. في النهاية لعل كلمات رسول الإنسانية سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - قد تكون قد تغلغلت في قلوبنا وليتنا نبدأ من اليوم قبل الغد ونأخذ زمام المبادرة نحفظ الأمن لبلادنا ونحقق لرسولنا الكريم آماله في حماية الدماء والأموال والأعراض ونبذل أقصي الجهد في العمل الجاد وزيادة الإنتاج بالجودة التي تنافس في الأسواق العالمية وليتنا ندرك أنه لن يبني بلادنا سوي سواعدنا ولعلي استنهض همم الاشقاء بتلك الكلمات التي قالها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في مثل هذه الأيام التي يقف فيها الحجيج في هذا اليوم فوق جبل عرفات نداء إلي الله ودعوات طيبات بأن يحفظ الله بلادنا وأن يحقق لابنائها العزيمة الصادقة حتي تكون المبادئ التي أرسي معالمها رسول الله حقيقة علي أرض الواقع والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.