لا أدري إن كان تصريح الدكتور مصطفي الفقي مدير مكتبة الاسكندرية قد أزعجكم مثلما أزعجني أم أن أحدا لم يهتم به ولم يأخذه علي محمل الجد. لم أصدق عيني عندما قرأت العنوان و قلت إن بعضهم ربما لم يفهم تصريح الدكتور الفقي جيدا وأدخل عليه شيئا من التحريف والتحوير. فالرجل مثقف كبير ويتمتع بقدر عال من الوعي يعصمه من الزلل. وخبراته السياسية تمده بقدر كبير من الحرص. لذلك تعمدت قراءة كلامه كاملا لكي أقف علي ذلك التحريف والتحوير حتي تأكدت أن ما نسب إليه في العنوان هو كلامه فعلا. ثم انتظرت ثلاثة أيام لعله يتنبه ويتدارك الموقف. لكن لم يحدث شيء من ذلك. ومن هنا آثرت أن أشير إلي خطورة ما قاله. وأعرف أنه سيأخذ كلامي بنية حسنة. فلولا أنه قامة ثقافية كبيرة لما اهتممت وما اهتم أحد لما يقول ويفعل. في الأيام القليلة الماضية أقامت مكتبة الاسكندرية احتفالية للتراث النوبي بالتعاون مع النادي النوبي وهذا أمر جيد بلا شك. لأن مصرنا العظيمة تتسع للجميع. لكل الأعراق والطوائف والأجناس الذين ينصهرون في كتلة وطنية واحدة. أو سبيكة وطنية بتعبير الأستاذ هيكل. ولا تمنعنا الوحدة الوطنية من الاعتراف بالتنوع والتعدد تحت مظلة المواطنة المتساوية التي يكفلها الدستور والقانون. لكن هذا شيء وما قاله الدكتور الفقي خلال الاحتفالية شيء آخر. فقد ذكر أن الحضارة الفرعونية نوبية وأن كثيرا من الدراسات أشارت إلي أن أصل الحضارة الفرعونية نوبي. وأن النوبة ليست ثقافة أو تراثا لكنها كلمة تستدعي صفات الطيبة والأمانة وحب الآخرين. ولا شك أننا نتفق مع الدكتور مصطفي في الجزء الأخير من تصريحه الخاص بالطيبة والأمانة وحب الآخرين وغير ذلك من الصفات الحميدة التي يتميز بها إخواننا النوبيون. ولنا أصدقاء كثيرون منهم لمسنا فيهم تلك الصفات وأكثر. لكنني فقط أتحفظ علي وصفه للحضارة الفرعونية بأنها نوبية. وإشارته غير الموفقة من حيث الزمان والمكان إلي أن هناك كثيرا من الدراسات تقول بأن أصل الحضارة الفرعونية نوبي. الذي نعرفه ويعرفه العالم أجمع أن الحضارة الفرعونية هي حضارة قدماء المصريين بكل تكويناتهم وأعراقهم وألوانهم. وليس من الحصافة أن نقصر هذه الحضارة. أو حضارة مصر في أي زمن من الأزمان. علي عرق أو طائفة. لأنها حضارة المصريين جميعا بلا تفرقة. والرسومات التي تركها أجدادنا علي جدران المعابد والقصور تحمل وجوها مصرية تشبهنا. فيها الأبيض والأسمر وذوي البشرة القمحية. وأنا أصدق الدكتور الفقي في وجود دراسات تقول إن الحضارة الفرعونية نوبية لكن ليس من الحصافة مرة أخري - استدعاء هذه الدراسات في هذا المحفل وفي هذا التوقيت لترويج التنافس العرقي. فالتآمر يحيط بوطننا من كل جانب ويريد أن ينال من وحدتنا.