قد لا يعلم كثيرون أن د. جهاد عودة استاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان وخبير التقديرات الاستراتيجية وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني قد تنبأ بثورة 25يناير بل وحدد طريقة قيامها وتوقع سيناريو الغضب الواسع وهذا كله مسجل ومثبت بالورقة والقلم .. الحوار التالي يكشف عن هذه التفاصيل ومفاجآت أخري. * في البداية سألته هل كانت ثورة 25يناير مفاجأة لك خاصة وأنك كنت عضواً بأمانة السياسات بالحزب الوطن؟ ** للأمانة الشديدة أبداً .. المفاجأة الحقيقية تمثلت في الانهيار السريع للنظام .. النظام انهار في 3 أيام من 25إلي 28يناير .. هذا النظام الذي وجع دماغنا بالثورة الجبارة انهار سريعاً وبشكل غريب وعجيب. * لماذا في رأيك؟ ** في اعتقادي أن هذا راجع لغياب التنسيق بين الإدارة العليا للدولة والصراع بين النخبة السياسية وهو الأمر الذي أدي لتعطيل القدرات بالإضافة إلي جانب لا يمكن إنكاره وهو الضغط الثوري الذي بدأ بمجموعات مثقفة انضم إليها الطبقة الوسطي ثم الطبقة الدنيا وتوسعت لتشمل الشعب ورغم أن الثورة لم تكن مخططة تنظيمياً إلا أن أهم سمة فيها هي أن القوي الثورية كانت تستقوي كلما تدهور النظام وتراجع. القوات المسلحة لولاها ما نجحت الثورة فقد لعب الجيش الدور الحاسم في نجاح الثورة وحمايتها فعندما ظهر اللواء محسن الفنجري ليعلن تأييد القوات المسلحة للمطالب الشعبية انتهي الأمر وكانت الإشارة .. قد انتهت دولة هذا الرئيس ودخلنا في مرحلة بناء دولة جديدة. عضوية أمانة السياسات * ولكنك كنت عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني والبعض يقول إنك كنت من المقربين من جمال مبارك بل والداعمين لملف توريثه؟! ** أولاً أنا لم أكن في المستوي الأعلي للجنة السياسات مثل د. عصام شرف رئيس الوزراء .. لم أكن عضواً في المجلس الأعلي للسياسات ولم أكن من المقربين لجمال مبارك بالمعني الشخصي ولم أكن في مستوي صنع السياسات ولم أكن مدافعاً مستمياً عن الحزب وسياساته بل كنت ومازلت مدافعاً عما أؤمن به .. نعم اعتذر عن سلوكي الحاد في الحديث في الاعلام والصحافة ولكن لا أعتذر عن إيماني بالمواطن والليبرالية كنت أدافع عن السياسة الخارجية والأمن القومي لأن هذا جزء من عملي واهتماماتي وللعلم فأنا الذي تنبأ بالثورة وكتبت هذا عام 2004 ويمكن للجميع أن يرجع إلي سلسلة كتبي عن تطور النظام السياسي المصري والتي بدأت بكتاب مشهور "جمال مبارك وبزوغ الليبرالية الوطنية" .. للأسف البعض قرأ العنوان فقط ولم يقرأ الكتاب الذي ذكرت فيه بالنص أن عدم الانسجام بين مكونات النظام السياسي سيؤدي إلي انهيار النظام وحدوث أزمات متوالية وفي 2007 حددت الطريقة التي ستقوم بها الثورة في كتابي الاصلاحيون الجدد الذي خصصت فيه فصلاً عن الاخوان وتوقعت سيناريو الغضب الواسع .. والثلاثة كتب الأخيرة تكلمت عن الاصلاحيين الجدد نحو مستقبل مختلف ما بعد مبارك وكانت تلك أول مرة يقول فيها شخص ماذا سيحدث بعد مبارك كان ذلك في 2007 وقت أن كان هذا الحديث من المحرمات .. لذا أرجو قراءة ما كتبته بموضوعية ولا توجد عندي مشكلة في الحساب علي ما كتبته .. هذه الكتب هي التي عمقت فكرة انهيار النظام .. "الصراع المدني في مصر" عمق فكرة أننا داخلون في صراع مدني .. استشراف لما سيحدث .. هذه الكتاب أسست لفكرة الثورة المدنية .. ثورة كل الطبقات تجاه نظام محدد والكتابان الاخيران حول السياسات العامة والتطور الديمقراطي والازمة في مصر .. ومدخل لبناء الدول المدنية في مصر عام 2010 .. هذه كتاباتي وقناعاتي. *ألم تسبب تلك الآراء المدونة في كتب كما تقول أزمة في العلاقة مع أمانة السياسات ولماذا استمررت في موقعك اذن؟! ** نعم سبب لي أزمات عديدة وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة فإن لم أكن فاسدا ولم أستفد من الحزب الوطني بالعكس تم انكار كل منصب ترشحت له حتي مستشار ثقافي خارج مصر .. أما لماذا استمررت .. لانني مؤمن بالعمل من الداخل .. أرفض العمل من الخارج .. أنا أؤمن بمبدأ التغيير من الداخل ولا أنكر علي الآخرين العمل من الخارج مع هذه طريقة مفاهيمي تعمل من الداخل وقد تدفع ثمناً أكبر من الذي يدفعه ذلك الذي يعمل من الخارج. سلوك .. ومراهنة * لكن ألم تكن تلك الوسائل التحذيرية التي ذكرتها في كتبك تصل إليها في أمانة السياسات وغيرها؟! ** أبداً سلوكهم لم يكن فيه شيء من التوقع لما سيحدث كانوا يراهنون ما بين مفهومين أنا أقول إن هناك أزمة قادمة لابد من تجنبها .. وهم يرون مافيش أزمة هذا كلام فارغ .. مثلاً لقد ذكرت في آخر كتاب قبل الثورة مباشرة حول ثقافة الدولة الليبرالية إن الحزب الوطني ينمي السلفيين وقامت وكالة رويتر بعمل تحليل وقصة حول هذه الجزئية في وقتها قبل الثورة وكان السلفيون يؤيدون النظام السابق الذي فتح لمهم في آخر سنواته القنوات الفضائية ومجالات كبيرة للحركة بتنسيق من أمن الدولة .. السلفيون لم يظهرو اليوم فجأة .. بل قام النظام ببناء قوة لهم عبر الفضائيات وكانت تمثيلية أنس الفقي الأخيرة باغلاق قناتين أو ثلاثة بعد فوات الآوان .. دعموا السلفيين لمواجهة الاخوان وبمناسبة الاخوان فأنا أفرق بين نوعين من الاخوان .. الأول هيئة اجتماعية دينية خيرية .. والثاني قوة سياسية .. الاتجاه الأول أخلاقي اجتماعي إنساني سلوك تجد أناس تحبهم .. أما السياسي والصراع علي السلطة فهذا شيء آخر أرفضه .. لقد حذرت ولكن النظام السلطوي يتصور أنه قابض علي العلم والمعرفة والتقدير السليم بمخلاف الديمقراطية التي تستمع لانها تقدر أنك لا تملك كل شيء من المعرفة والتقدير السليم. المخاوف من الاخوان * ولماذا التخوف من الاخوان؟! ** الاخوان جزء من المجتمع وبما أنهم جزء فلا يجب أن يسيطروا علي المجتمع .. هذا الجزء يجب أن يتفاعل مع المجتمع لا أن يصبح مسيطراً علي كل المجتمع .. الكل هو كل المصريين وما بعد ذلك أجزاء .. ليبرالية .. علمانيين .. الخ .. هذه هي الفكرة عندي .. لهم حق سياسي واجتماعي .. ليس لهم حق التجاوز علي حريات الاخرين .. وعليهم أن يؤمنوا بأن النظام الديمقراطي المدني هو الوحيد الذي سيسمح لهم بالعيش والحياة بطريقتهم لذا لا يجوز لهم التعدي علي حريات وحقوق الآخرين المصانة بالدستور وبمنطق الحريات العامة هذا إذا كانوا يريدون مجتمعاً متقدماً ينهض بالدول مثل الدول المتقدمة .. هكذا ندخل العصر الحديث وبدون هذا ستصبح مأساة لا أود لمصر الدخول فيها .. في هذا الاطار اسمح لي أن أسأل إذا كان القانون قد سمح للاخوان بتأسيس حزب فأهلاً وسهلاً ولكن لا يوجد قانون أو تشريع يسمح بوجود جماعة الاخوان .. هي حتي اليوم وحتي هذه اللحظة جماعة غير شرعية وفقاً للقانون وبالتالي لابد من إيجاد وسيلة قانونية لتأسيس الجماعة أما أن تكون فوق القانون فهو أمر غير منطقي. * هل تتخوف من سيطرة الاخوان علي البرلمان القادم؟! ** هناك نظريتان الأولي تقول إن التخوف في البرلمان القادم من السلفيين أولاً والاخوان ثانياً حيث سيسيطرون علي ما بين 60 إلي 65% وإذا حدث هذا التصور فإنه يفتح باب شرور علي مصر هذه نظرية .. أما الثانية فتقول إن القوات المسلحة لن تسمح بهذا السيناريو وسيكون هناك توازن وهذا الكلام لا يمكن الحكم عليه إلا يوم الانتخاب حيث ستظهر الحشود. * وهل تعتقد أن القوانين الحالية ستحقق هذا التوازن؟ ** المشكلة هنا معقدة .. فمثلاً ممارسات الحزب الوطني لم تكن سليمة ولا شرعية وقد قلت في حوار علي قناة المحور عقب الانتخابات البرلمانية في 2010 إن نتيجة هذه الانتخابات ليست شرعية رغم أنها قانونية طبقاً للقانون وهو الأمر الذي أغضب قيادات الوطني وقتها .. ولكن السؤال سيظل قائماً هل الانتخابات شرعية بمعني أنها تعبر بدقة عن مجمل التوجهات والتعددية أم لا .. هذا هو السؤال .. من السهل أن تخلق قانوناً وتلتزم به لكن المهم التمثيل السياسي لكافة القوي والفئات أقباط .. نساء .. أنواع مختلفة من الأفكار والتوجهات السياسية .. في النهاية هذا برلمان الأمة ويجب أن يمثل كل أطياف الأمة .. هل نحن قادرون .. لا يهم الفردي أم القائمة .. المهم التمثيل الشرعي لكل الطوائف والفئات .. تفاؤل وهواجس * ما هي الايجابيات والسلبيات للمرحلة التي نمر بها؟! ** من أهم الايجابيات التي تدعوني للتفاؤل أن فكرة الحرية السياسية بدأت تنتشر .. بمعني تكوين الأحزاب بكثرة .. حركة الافراد أوسع وأقوي .. الكل بدأ يتكلم .. الأفكار تنتشر .. تجد في الشارع العلماني والسلفي وغيرهما... أما التوجس فيأتي من شيئين الأول الاختراقات الأجنبية التي تؤدي إلي نوع من أنواع التضييق علي حرية حركة الحركات الاجتماعية المصرية .. والثاني من فكرة التطرف نفسه لأن السؤال هو هل نبني مجتمعاً ضد الفساد والتطرف في نفس الوقت أم نبني مجتمعاً ضد الفساد ونترك التطرف .. أنا مع محاكمة الفاسدين وفي نفس الوقت محاربة المتطرفين الذين يجب أن يقللوا من تطرفهم ويعرفوا أنهم في مجتمع مدني وأنهم موجودون في إطار من احترام القانون واحترام القيمة العامة المدنية .. فالاختراق الأجنبي والتطرف أكبر خطر علي الثورة. كلمة أخيرة 1⁄4 ماذا تقول للقراء في كلمة أخيرة أرجوكم فرقوا ولا تحكموا قبل القراءة الجيدة فرقوا ما بين مواقفي وسلوكياتي .. المواقف لن أعتذر عنها .. أما السلوكيات فهي تقبل الاعتذار .. يداي ولله الحمد لم تلوث واليوم أسير في الشارع وسط الناس أما الآخرون فمكانهم معروف.