انتشر علي مواقع التواصل بشبكة الإنترنت فيديو لأهالي القدس وهم يصلون الجمعة الماضية خارج المسجد الأقصي بعد أن منعتهم سلطات الاحتلال الصهيوني من دخول المسجد والصلاة فيه بينما أطلقت العنان للمستوطنين والسائحين الأجانب لاستباحته وتدنيس ساحاته. يصلي أهل القدس بالآلاف خارج المسجد محاطين بالشرطة الإسرائيلية المدججة بالسلاح ومن وراء الشرطة طابور طويل من الخيالة لإرهاب هؤلاء المصلين الذين لا يحملون غير قلوب صامدة كالجبال الرواسي. في هذا المشهد المهيب تنطلق دعوات الإمام ومن ورائه جموع المصلين قوية صارخة: اللهم إنا مستضعفون فانتصر. اللهم عليك بالظالمين ومن والاهم. اللهم انقذ بيتك الأقصي من دنسهم. وامنع عنهم القطر والغيث. اللهم امنع عنهم الماء والهواء واخسف بهم الأرض. وخذهم أخذ عزيز مقتدر. حقاً إنهم لا يملكون غير الدعاء بعد أن تنكر لهم القريب والبعيد. ويذكرك منظرهم مباشرة بدعاء النبي صلي الله عليه وسلم يوم الطائف عندما تعرض لأقسي ألوان الظلم والمهانة فلم يلجأ إلا لربه لجوء المظلوم الواثق من النصر والإجابة. لكن المفارقة أن منع إقامة الصلاة في المسجد الأقصي بكل ما توقعته الدوائر الإسرائيلية من إثارة ردود غاضبة علي المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية قوبل بهدوء غير متوقع اللهم إلا من بعض التظاهرات الفلسطينية المحدودة مع صمت مطبق من جانب الدول العربية والإسلامية. وهو ما سوف يشجع حكومة نتنياهو علي المزيد من الإجراءات المتعسفة خلال الأيام والأسابيع القادمة. أمتنا لم تعد مشغولة بفلسطين والمقدسات المنتهك حرماتها لم تعد تغار علي حرمة المساجد وحرمة الدم العربي بعد أن تفرقت بها السبل. أمتنا تنام علي صراعاتها الداخلية ويكيد بعضها لبعض. وتصحو علي صراعاتها الداخلية. لم يعد لديها وقت أو جهد لمواجهة العدو الاستراتيجي الحقيقي. ولهذا تجد إسرائيل كل الطرق ممهدة كي تنفذ خططها وأحلامها. خصوصاً هدم المسجد الأقصي لبناء هيكل سليمان المزعوم مكانه. كان الاختبار الأول في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل حيث تم منع الصلاة في المسجد ثم اقتسامه زمنياً بين اليهود والمسلمين. بمعني أن يكون لكل فريق عدد معين من ساعات النهار. ولما نجحت الخطة تم تقسيم ساحة الصلاة في المسجد في سهولة ويسر في ظل صمت فلسطيني وعربي وإسلامي. والآن تسعي إسرائيل لتنفيذ نفس المخطط في المسجد الأقصي ولا يتصدي لها غير دعاء المصلين. أغلقت سلطات الاحتلال أبواب المسجد ما عدا باب المغاربة الذي جعلته مخصصاً لدخول المستوطنين اليهود والسائحين الأجانب. ووضعت علي الأبواب الأخري بوابات إلكترونية لتفتيش المصلين قبل دخولهم بحجة مقاومة الإرهاب. حتي تضمن عدم نشوب أي مواجهة بين هؤلاء المصلين والمستوطنين الذين يعيثون في المسجد فساداً ويدنسونه. ولما رفض المصلون الامتثال لهذه الأوامر المتعسفة جاء الرد بإغلاق البوابات ومنع الصلاة. وهو إجراء بربري لا يرتكبه إلا غاصبون لصوص سرقوا الأرض ويريدون سرقة المقدسات. اللعبة صارت مكشوفة. يغلقون الأقصي يوماً ويفتحونه يوماً لاختبار ردة الفعل. فلما أيقنوا أن العرب منشغلون بأنفسهم. وأن بأسهم بينهم شديد. تمادوا في طغيانهم واستعدوا للمرحلة النهائية. مرحلة هدم الأقصي وبناء الهيكل المزعوم مكانه. العالم يتحدث عن هرولة العرب للتطبيع مع إسرائيل وإسقاط كافة الشروط التي تضمنتها المبادرة العربية. والسلطة الفلسطينية تستجدي إجراء مفاوضات تعرف نتيجتها مقدماً مع حكومة نتنياهو. أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً. ووفود عربية من هنا وهناك تتردد علي إسرائيل سراً وعلناً. ورئيس إسرائيل يضحك علي الجميع بأن أباه أول من ترجم القرآن الكريم إلي العربية. والهدف من كل ذلك هو التمويه علي القضية الجوهرية. قضية الاحتلال فانتبهوا يا ملوك الطوائف. اليوم فلسطين وغداً مكة والمدينة.