يعيش الإنسان بالأمنيات والأماني إلي آخر يوم في حياته.. ويظل يراوده الأمل في أنه سيعيش فترة أكبر مهما طال به العمر. وأنه سيري أمانيه وقد تحققت. ويظن أن الموت مؤجل إلي ما شاء الله رغم أنه -أي الموت- هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذه الدنيا. وعندما رأيت الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال في قفص الاتهام بالأمس- وقد تغيرت الدنيا من حال إلي حال- تساءلت في نفسي: تري ما هي امنيات مبارك ونجليه في هذه اللحظات الفارقة. وهي لحظات تتضارب فيها المشاعر وتختلط فيها الأحاسيس. ولايمكن للإنسان أن يوجه بوصلة أمانيه التوجيه الصحيح في مثل هذه الظروف وهذه المواقف. هل يأمل الرئيس السابق- وقد تجاوز الثالثة والثمانين من عمره- أن يعيش سنوات أطول. وأن يخرج إلي الحياة العادية من جديد ويباشر نشاطه بحرية؟! أم أن شيطان الأماني يغره أكثر بالعودة إلي السلطة ويحكم وينتقم من الثورة والثوار وكل من هاجمه ووقف ضده؟! أم يكون منتهي أمله أن يبتعد عن حبل المشنقة ويفلت منها ويقضي بقية حياته في هدوء حتي يوافيه الأجل؟! أي هذه الآمال والأحلام -أقصد أحلام اليقظة- تراود الرئيس السابق وسط الأجواء المحيطة به.. محكمة.. وقضاة.. ومحامون مطالبون بالحق المدني للشهداء والمصابين.. ومحامون يطالبون بالقصاص منه ومن معاونيه.. وجمهور يملأ قاعة المحاكمة.. وملايين المواطنين المصريين والعرب والأجانب في أطراف الكرة الأرضية يتابعون هذه المحاكمة التي عنونت لها الصحف بالعناوين المختلفة. اليوم المشهود.. دقت ساعة القصاص.. يوم الحساب.. محاكمة الرئيس المخلوع ونظامه البائد.. مبارك في قفص الاتهام.. إلي آخر العناوين التي تفننت فيها الصحف. وفيها من التشفي ما فيها. وقد نسيت ما كانت تدبجه من عبارات المديح له وهو يحكم قبضته علي البلاد بالحديد والنار!! هل يستطيع عالم نفساني أن يدخل بعلمه إلي نفسية مبارك وينقل لنا أحاسيسه ومشاعره وأمانيه. وقد تخلت عنه الدنيا بكل مباهجها وزخرفها وزينتها واظهرت له قبحها وكشرت عن أنيابها. ثم ما هي أماني وأمنيات نجليه علاء وجمال. وخاصة الأخير الذي كان يعد نفسه لوراثة عرش مصر؟! ما هي مشاعره وقد هوت أحلامه في حكم مصر إلي الحضيض. واستفاق علي هذا الواقع الأليم؟! هل يطمع النجلان في البراءة والعودة إلي الحياة من جديد؟! هل يمني جمال نفسه بحدوث معجزة ومفاجأة مدوية تعيده إلي الامساك بخيوط مسرح العرائس- آسف.. مسرح السياسة في مصر- ويحكم ويتحكم ويجعص رقبته في كبرياء وخيلاء وهو يتحدث أو يوميء لهذا أو ذاك باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد. لاشك أن النفس التي وصفها الله سبحانه ب "الأمارة بالسوء" تنتابها في مثل هذه المواقف والظروف بعض أو كل هذه الأماني.. ولكنها تصحو علي الحقيقة المرة والواقع الأليم. ها هو مبارك أمام محكمة التاريخ.. ماذا يسجل عنه ويدون لسيرته؟! كان بامكانه أن يكون بطلا قوميا لو لم يسلم نفسه لشيطان السلطة والسلطان.. فكان ما كان من الظلم والجبروت والطغيان. التاريخ مليء بالدروس والعبر.. ولكن من يتعلم ومن يعتبر. يقول الشاعر: هي الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار من بطشي وفتكي فلا يغرركمو مني ابتسام فقولي مضحك.. والفعل مبكي!!