"لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد" كنا نتعلم هذه الحكمة من معلمينا أثناء الدراسة بالمدارس الالزامية في بداية منتصف القرن الماضي.. فتأجيل العمل رغم أهميته ربما يؤدي إلي التكاسل والإهمال وفقدان الفرصة المتاحة. الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة له مواقف حاسمة في وضع الجامعة علي الطريق الصحيح باعتبارها من أعرق وأشهر الجامعات في العالم. ومن أجل ذلك بذل جهداً كبيراً لتأخذ مكانتها المتقدمة في ترتيب الجامعات العالمية. تولي مسئولية الجامعة في وقت عصيب نشطت فيه المظاهرات التخريبية التي أرادت أن تحولها إلي فوضي.. فضبط بحسم إيقاع الدراسة واتخذ مواقف متشددة ضد كل من يخرج علي النظام.. ولقي المتمردون جزاءهم العادل بالفصل نهائياً من الجامعة. وعدم قبولهم حتي في جامعات خاصة. وأحكم رئيس الجامعة قبضته علي الموظفين والعاملين الذين يتعاطون المخدرات وأخضعهم لاختبارات صحية كشفت المتورطين منهم واتخذ ضدهم الإجراءات القانونية.. فموظف الجامعة يجب أن يكون قدوة في عمله. وجاء دور النقاب.. هناك بعض عضوات هيئة التدريس من السيدات المنتقبات فأصدر أوامره بضرورة الاكتفاء بالخمار وكشف الوجه ليستطيع الطلاب والطالبات التواصل مع هؤلاء العضوات.. ولقيت حملته تشجيعاً جماهيرياً كبيراً سانده خلالها أعداد كبيرة من المواطنين. واصطدم رئيس الجامعة مع وزير التعليم العالي السابق الدكتور السيد عبدالخالق عندما أراد الوزير أن يستثني أبناء كبار الضباط وأبناء القضاة في التحويل من الجامعات الإقليمية إلي جامعة القاهرة دون سند قانوني.. وانتصر رئيس الجامعة وطبق القانون. واليوم يدخل الدكتور جابر نصار في معترك جديد ليعطي جامعة القاهرة مكانتها العلمية المتميزة ولتكون قدوة لبقية جامعات مصر بعدم اعتماد الطلاب والطالبات في دراسة المواد علي الملازم التي يعدها أعضاء هيئة التدريس لتكون هذه الملازم هي الفيصل في نجاح الطالب أو رسوبه!! إنني شخصياً أشبه هذه الملازم بالبرشام الذي يحتفظ به الطلاب للغش في الامتحانات!! الجامعة - أي جامعة - هي عبارة عن مركز للأبحاث والدراسات العلمية من مصادر متعددة.. والمفروض أن يلقي الأستاذ محاضرته. ثم ينصح الطلاب بالرجوع إلي أصول هذه المحاضرة من كتب متعددة يدلهم عليها.. وعند الامتحان ومن خلال إجابة الطلاب يكتشف إذا كان هذا الطالب قد أخذ بالنصيحة وقرأ أم لا.. وعندها يتم تقييمه علمياً. لاشك أن الجامعة فيها مكتبة عامة تحوي الكتب الثقافية والعلمية. والمفروض أن تمتلئ هذه المكتبة بمريديها من الطلاب ليطلعوا ويعرفوا ما هو الجديد في المواد التي يدرسونها.. ومن هنا جاء قرار الدكتور جابر نصار بإلغاء التدريس بالملازم. الدكتور أشرف الشيحي وزير التعليم العالي والبحث العلمي قال إن قرار جامعة القاهرة بإلغاء التدريس بالملازم خطوة مهمة لكن التوقيت ليس مناسباً مؤكداً "دلوقتي مش صح من وجهة نظري"!! حجة الدكتور الشيحي أنه يقول: "أنا كواحد عايش في التعليم فترة طويلة أؤكد أننا نحتاج للبدء من أسفل من خلال العودة للطالب نفسه.. وبعد ذلك نعدل في الجامعة.. ولكن الصدمة في هذه اللحظة صعبة"!! وأود أن أناقش الدكتور وزير التعليم العالي وأقول له: كم ستظننا ننتظر حتي نبدأ في تعليم التلميذ منذ المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية والثانوية لتعويده البحث عن المعلومة في المكتبات وألا يعتمد علي ما يلقيه عليه الأستاذ ويحفظه؟! نعم مطلوب من خلال تعديل نظام التعليم في مصر أن نشجع التلاميذ والطلاب علي الاطلاع والبحث الخارجي طبقاً لما لمسته بنفسي في بعض الدول التي زرتها.. لكن الانتظار إلي أن يتم ذلك فأعتقد أنه حتي لو تحقق فسوف يستغرق سنين طويلة. من هنا فإننا نؤيد نظرية الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة بضرورة التعجيل لدفع الطلاب الجامعيين وتعويدهم علي الاطلاع الخارجي وعدم الاعتماد علي الملازم. حتي تعود الجامعة إلي دورها الحقيقي في تخريج طلاب متعلمين ومثقفين وذوي رؤية واسعة. وأختم المقال بما بدأت به: "لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد".