أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي ان أدوات الحفاظ علي الدولة الوطنية لا يمكن أن تقف عند حدود المواجهات العسكرية والترتيبات الأمنية. وانما يجب أن تمتد لتضم توجها شاملا يدرك أن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية تعد من أهم عوامل استقرار الدول واستمرار مسيرتها ويتناسب مع تعاظم وعي الشعوب بحقوقها. وهو ما أدي بطبيعة الحال إلي انتفاض الشعوب للتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها المشروعة والمطالبة بالتغيير املا في تحقيق مصالحها ومراعاة حقوقها. أضاف خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لحوار المنامة في مملكة البحرين ان التردي الاقتصادي والاجتماعي يؤثران سلبا بشكل مباشر علي الدولة كفكرة. ومفهوم في أذهان المواطنين. نتيجة صعوبة التفرقة احيانا بين الحكومة والدولة. والنتيجة اننا اصبحنا امام وضع اقليمي شديد الصعوبة. أوضح أن بعض الاطراف وجدت ضالتها في الجماعات الارهابية والمتطرفة وقامت بإزكاء نزاعات الطائفية البغيضة لتحقيق مصالحها واجندتها في المنطقة. وفيما يلي نص كلمة الرئيس: صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد بن عيسي آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلي النائب الأول لرئيس الوزراء . السيدات والسادة.. يطيبُ لي أن أشارك في "منتدي حوار المنامة" في دورته الحادية عشرة.. استجابة لدعوة كريمة من صاحب السمو الملكي ولي عهد البحرين الذي يحرص علي تحقيق التفاعل بين نخبةي متميزة من قادة الفكر وصانعي القرار. لما في ذلك من إثراء للحوار الدائر حول سُبُل تحقيق التطلعات المشروعة للشعوب العربية في الأمن والاستقرار والرخاء. وهذا ما عهدناه دائماً من مملكة البحرين تحت القيادة الرشيدة والحكيمة لجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة ملك البحرين. لقد أضحي منتدي حوار المنامة أحد أهم الفعاليات الإقليمية التي تُعني بمناقشة القضايا الأمنية علي الصعيد الإقليمي وكل ما يؤثر فيه. وتكتسب دورته الحالية أهمية مضاعفة في ضوء ما تمر به منطقتنا العربية من تحديات وما تواجهه من أزمات. كما تمثل محفلاً مناسباً لبحث العديد من المحاور التي تؤثر بشكل مباشر في أوضاع دول المنطقة. ولعل أهمها التداعيات الناتجة عن الازمات التي تعاني منها منطقتنا وانعكاساتها علي الأمن الإقليمي. فضلاً عن تأثير ما شهدته الأوضاع الإقليمية في الشرق الأوسط من مستجدات علي التوازن الأمني والاستراتيجي في المنطقة العربية. وما تواجهه من تحديات التطرف والإرهاب التي تسعي نحو تقويض مفهوم "الدولة الوطنية". السيدات والسادة.. لعل دولكم الشقيقة والصديقة ومؤسساتكم الموقرة تشارك مصر شواغلها إزاء ما يصيب مفهوم ¢الدولة الوطنية¢ من ضرر بالغ جراء ما يُقتَرَف في منطقتنا بحق هذا المفهوم الذي تم تطويره علي مدي قرون مضت» تحقيقاً لنظام سياسي واقتصادي واجتماعي وفقاً للدستور والقانون. بما ينظم العلاقة بين الشعوب والحكومات. ويُقر الحقوق للمواطنين ويرتب عليهم الالتزامات. ويضع الدول أمام مسئولياتها إزاء مواطنيها وجوارها الإقليمي وكذا علي الصعيد الدولي. لقد أضحت الميليشيات والجماعات الخارجة عن القانون والحاملة للسلاح في سباق مع ما هو مستقر من مبادئ احتكار الدولة لأدوات فرض القانون. بل وأصبحت فكرة سيادة القانون في بعض دولنا تنكسر أمام نزعات طائفية ودينية ومحلية وغيرها... فنجد أن كل مجموعة من المواطنين أو عشيرة تشترك في اللون أو العرق أو المذهب تُعرف نفسها بحسب هويتها الأضيق وتخشي من الآخر. بدلاً من التعايش معه في سياق منطق الوطن الجامع الحافظ لمصلحة مواطنيه أياً كانت انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية. لقد وجدت بعض الأطراف ضالتها في الجماعات الإرهابية وقامت بإزكاء تلك النزعات الطائفية البغيضة لتحقيق أجنداتها ومصالحها في المنطقة التي تؤثر سلباً علي مفهوم الدولة من حولها. واعتمدت تلك الأطراف علي عوامل طائفية وشرائح مجتمعية تمكنت من استقطابها لتمرير أجندات خاصة هدفها توسيع نفوذها علي حساب مفهوم الدولة في المنطقة العربية. ومع بالغ الأسف فقد تمت ترجمة ذلك عملياً في صراعات تُمزق النسيج الاجتماعي والوطني لدول عربية. وبات تأجيج الاختلافات المذهبية وقوداً لاستمرار الصراعات في المنطقة. بما يهدر طاقاتها ويهدد مقدرات شعوبها. فضلاً عما يُلحقه من أضرار بالغة بدور الدولة وهيبتها. السيدات والسادة.. لقد ظن البعض عندما تحركت الشعوب العربية للمطالبة بالتغيير أن التيارات التي توظف الدين لأهدافها السياسية هي المرشحة لأن تسود المنطقة بتأييد جماهيري. واعتقد البعض أن هذه التيارات معتدلة سياسياً وقادرة علي احتواء تطلعات شعوبها. وعلي احتواء وتوجيه قوي التطرف والإرهاب. ولقد كشف الواقع العملي أن هذا التيار الذي ادَّعَي ارتباطه بالدين لا يفهم تاريخ المجتمعات العربية ولا يسعي لتحقيق مقاصد ثوراتها. وعليه. فقد سعي ذلك التيار لتحقيق شكل جديد من أشكال احتكار المشهد السياسي مستخدماً أساليب نفت عنه قطعاً صفات الاعتدال والانتماء الوطني. بل وكشفت منذ البداية تماثلاً تاماً وتعاوناً جلياً بينه وبين القوي الأكثر تطرفاً في المنطقة. وقد اعتمد في مسعاه للاستئثار بالسلطة بشكل أبدي علي دعم بعض الأطراف التي راهنت عليه. ورغم ما تبين من فشل رهانات تلك الأطراف علي مجموعات طائفية أو عقائدية داخل الحدود العربية في تحقيق الاستقرار ومصالح تلك القوي. وما يسببه ذلك من اضطراب إقليمي متسعي وممتد. فإننا نجد مع ذلك أن هذه الرهانات لا تزال قائمة. بما ينذر بمخاطر غير محدودة علي الأمن القومي العربي. السيدات والسادة.. إن أدوات الحفاظ علي ¢الدولة الوطنية¢ لا يمكن أن تقف عند حدود المواجهات العسكرية والترتيبات الأمنية. وإنما يجب أن تمتد لتضم توجهاً شاملاً يدرك أن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية تعد من أهم عوامل استقرار الدول واستمرار مسيرتها ويتناسب مع تعاظُم وعي الشعوب بحقوقها. وهو ما أدي بطبيعة الحال إلي انتفاض الشعوب للتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها المشروعة والمطالبة بالتغيير أملاً في تحقيق مصالحها ومراعاة حقوقها. أؤكد في هذا المقام أن التردي الاقتصادي والتدهور الاجتماعي يؤثران سلباً وبشكل مباشر علي الدولة كفكرة ومفهوم في أذهان المواطنين نتيجة صعوبة التفرقة أحياناً بين الحكومة والدولة.. والنتيجة أننا أصبحنا أمام وضع إقليمي شديد الصعوبة والتعقيد. وبات الأمن القومي العربي مهدداً علي نحو أصبح يتطلب -بل ويحتم- الحفاظ علي ما تبقي من الدول ومؤسساتها. وإعادة الثقة لدي المواطنين العرب في إمكانية تعايشهم تحت سقف دولة واعية بحقوقهم وقادرة علي حمايتهم. وهو ما لن يتحقق إذا ما اكتفينا بمحاربة قوي التطرف والإرهاب. دون التحرك بخطي سريعة نحو حلول سياسية حقيقية توفر البيئة المواتية لتحقيق التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.. وهي مهمة جسيمة تتطلب تضافر الجهود الدولية من أجل إنجازها وتستلزم مشاركة كافة الأطراف الفاعلة. لاسيما تلك التي تمتلك القدرة علي التأثير في مجريات الأحداث. السيدات والسادة.. إن مصر لم ولن تألو جهداً للعمل نحو التوصل إلي حلول سياسية لأزمات المنطقة. ويشهد التاريخ علي مساعيها الدؤوبة من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني الشقيق علي إقامة دولته المستقلة علي حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. بما يساهم في القضاء علي أحد أهم الذرائع التي تستند إليها الجماعات المتطرفة لتبرير أعمالها الإرهابية واستقطاب عناصر جديدة إلي صفوفها. ويوفر واقعاً إقليمياً أفضل للأجيال القادمة في المستقبل. كما دعمت مصر بقوة الجهود الأممية لتسوية الأزمة الليبية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها إعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية. وقد سعينا خلال عام كامل لتشجيع القوي الليبية علي التوصل إلي المشاركة في السلطة بأسلوب لا يخل بمبدأ تولي الأغلبية زمام الأمور وفقاً لما عبر عنه الشعب الليبي من توجهات عبر صناديق الاقتراع. أما بالنسبة للأزمة السورية. فإن مصر تؤكد دعمها للجهود الأممية الرامية لتسوية الأزمة السورية. وأهمية التوصل إلي تسوية سياسية بالتنسيق مع القوي الدولية والإقليمية. بالإضافة إلي مواصلة جهود مكافحةپالإرهاب. والبدء في جهود إعادة الإعمار فور التوصل إلي تسوية سياسية بما يسمح بعودة اللاجئين السوريين إلي وطنهم ويشجعهم علي الاستقرار فيه. لقد حرصت مصر علي مساعدة قوي المعارضة الوطنية السورية في الاجتماع علي أراضيها لكي تتفق علي رؤية وخطة تطرحها علي العالم كله كمخرج سياسي من الوضع الكارثي الذي بات يسود سوريا الشقيقة وقد اجتمعت بالفعل حوالي مائة وستين شخصية سورية ممثلة لقوي المعارضة الوطنية في الداخل والخارج في مصر يوميّ 8 و9 يونيو الماضي. واعتمدوا خارطة طريق نحو الحل السياسي.. التفاوضي. فضلاً عن مشروع ميثاق وطني طرحوا من خلاله رؤيتهم للعلاقة الصحية بين الدولة والمواطنين علي أساس مبادئ المساواة والمواطنة البعيدة عن مفاهيم الطائفية والعرقية.. وقد كان لمصر دور هام في مساعدتهم علي تحقيق أهدافهم دونما أي سعي لممارسة وصاية أو هيمنة علي تلك القوي المستقلة بأي شكل من الأشكال. وفي اليمن العزيز. فإن مصر كما لم تتوانَ عن الاستجابة لدعوة أشقائها في دعم جهودهم لدحر قوي الإرهاب والتطرف. فإنها تؤكد علي أهمية التوصل إلي تسوية سياسية تحفظ السلامة الإقليمية لليمن وتضمن وحدة أراضيه وتصون مقدرات شعبه. كما تكفل إعادة إعماره عقب تحقيق الاستقرار بما يساهم في توفير واقع أفضل لشعبه الشقيق. السيدات والسادة.. لقد باتت التحديات التي نواجهها في بناء المستقبل تتطلب معالجة كافة المسببات لما آلت إليه أحوال الدولة في بلادنا. ونحن في مصر علي استعداد للتعاون مع القوي الإقليمية والدولية التي تدرك أهمية استقرار العالم العربي. وتؤمن بأهمية عدم التدخل في الشأن العربي لدعم جماعات محددة تخصم من رصيد الدولة ودورها. وعلينا كقيادات عربية أن نواصل العمل علي إعلاء قيمة الوطن والانتماء له في وجدان شعوبنا. وأؤكد من هذا المنبر أن مصر علي استعداد للتفاعل مع كافة أعضاء المجتمع الدولي في إطار الندية والاحترام المتبادل وصولاً إلي منظومة أمن جماعي تعيد إطلاق عجلة التنمية والتبادل التجاري والاستثماري والثقافي والسياسي. وتيسر استفادة الشعوب من إمكانات منطقتهم الهائلة ولتكون لمنطقة الشرق الأوسط مساهمتها الإيجابية في استقرار العالم وخدمة الحضارة البشرية كما كانت علي مر التاريخ. شكراً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته