فيلم "القناص الأمريكي" المعروض في عدد من دور العرض بالقاهرة في نفس توقيت عروضه في أمريكا وأوروبا. يقدم سيرة ذاتية لقناص أمريكي يعتبرونه "اسطورة" فهو "أكثر القناصين مهارة في تاريخ العسكرية الأمريكية" إنه أسرع آلة للموت. قاتل محترف دوره الوحيد في الحرب أن يحمي زملاءه الجنود من السقوط علي أيدي العراقيين "المتوحشين" إبان الحرب علي العراق التي شنتها أمريكا تحت مزاعم كاذبة وافتراء سياسي عسكري عدواني من نوع غير مسبوق بهذه العنجهية والوحشية المفرطة.. المفارقة أن هذه الشخصية الأمريكية الخالصة. بكل ما تعنيه الصفة "أمريكية" كان يتعامل مع نفسه باعتباره الملاك الحارس للجندية الأمريكية ولأقرانه الجنود الذين يقتلون أبناء العراق. ويهدمون مبانيها. ويقاتلون بوحشية من بيت إلي بيت دون النظر إلي كرامة الأسرة العربية المسلمة التي يقتحمون ديارها. ودون اعتبار للأطفال الذين يتابعون يومياً مقتل آبائهم وذويهم وتشريد أسرهم إنه "الكاوبوي" الأمريكي في ثوبه الجديد العسكري ومغامراته من أجل القيم الأمريكية. الفيلم اشبه بدراسة دقيقة لشخصية عسكري من صفوة الجنود الذين وصلوا إلي أعلي مراتب التدريب والكفاءة القتالية في البحر والجو والأرض وبلغوا مستوي من التنشين بالبندقية لا يحقق بهذا القدر من البراعة والدقة إلا من خلال مؤسسة جهنمية استعمارية كتلك التي يمثلها الجيش الأمريكي. الفيلم وإن تعامل مع الخيال في جانب من احداثه التي كتبها السيناريست جاسون هال إلا أنه يقوم علي شخصية واقعية مشهورة هي كريس كابل خدمت في العراق أربع دورات علي عكس جميع القواعد. فالمفروض أن يمضي العسكري مدة خدمة واحدة كاملة إلا كريسي كابل "1973 2013" فقد خدم أربع دورات ثم مات في النهاية في مدينة تكساس مقتولاً علي أيدي أحد الذين يقوم بتدريبهم وأقيمت له جنازة مهيبة عسكرية باعتباره بطلاً أمريكياً فذاً ضمن أقرانه العسكريين وقنص ما يقرب من مائتي رأس وهو في مخبئه فوق احدي مباني العراق ومنهم أطفال صغار.. أقيمت الجنازة في 20/5/2013 في "استاد الكاوبوي". مخرج الفيلم نجم أمريكي من المحافظين "الجمهوريين" هو لانيت ايستوود. وأفلامه مثل جميع أفلام هوليوود الضخمة تعتبر بشكل أو آخر بروباجندا دقيقة وقوية وتقوم علي أصول وجماليات فنية متقدمة وفي هذا الفيلم المليء بالحركة والدمار والدم والدراسة البارعة لشخصية عسكرية تمتلك الهيئة والهيبة والوسامة وليست مجردة أبداً من الإنسانية إلا في دفاعها الباسل "والنبيل" عن المقاتلين الأمريكيين في العراق.. ذلك بغض النظر تماماً عن أنهم موجودون في العراق كمحتلين وأن الحجة التي حركت الجيوش لهذه المنطقة من العالم ليست أسلحة الدمار الشامل التي ادعت الإدارة الأمريكية امتلاك صدام حسين لها ثم عادوا واعترفوا أنها "أكذوبة" هكذا "!!" والجميع يعرف أن الدافع الحقيقي ليس سوي البترول. وثروات هذا البلد الذي كانت الحرب المزعومة علي الارهاب. بداية لتفريخ أبشع جماعات الارهاب السياسي في منطقتنا. فإذا كانت هذه الحركات الارهابية التي أنتجتها حروب أمريكا الرأسمالية العسكرية ذات صلة بجماعة الاخوان المسلمين. فالواضح وأمام العين المجردة الآن أن هذه "الجماعة" الأم تنعم برغد المال والتشجيع والتسليح والحماية كأداة لتحقيق مآرب الامبراطورية الأمريكية في ذروة توحشها وانحطاطها الأخلاقي والإنساني.. "القناص الأمريكي" فيلم عنصري بامتياز.. دعائي بانحطاط وضيعة من منظور أي إنسان ليبرالي محترم إنه حسب أحد النقاد الأمريكيين "انتحار ثقافي لهوليوود بمساعدة النجم السينمائي كلنت ايستوود" الحقيقية أن هذا الانتحار بدأ مع الحرب العالمية الثانية.. الفيلم نموذج وحالة للدراسة حول كيفية الترويج للايدولوجيات العنصرية في عصر الأجيال الحديثة للحروب التي تحركها أجندات استعمارية تسعي إلي القتل والامتهان وسرقة الشعوب الأضعف وتجريف مواردها الطبيعية وطمس هويتها الثقافية والوطنية. إنه ايضاً نموذج لما نشير إليه دائماً حول العلاقة الحميمة جداً بين هوليوود كمؤسسة عملاقة للسينما وبين الحكومة الأمريكية. "فالفيلم" في هذه المساحة الهائلة من التأثير يلعب بكل الوسائط المرئية ويخدم الأيدولوجية الاستعمارية ومن ثم فإن "هوليوود وما يدور في فلكها من شركات مثل فوكس نيوز وواريز دو.. والخ هي في نهاية الأمر خاضعة للأجندة السياسية الكارهة للشعوب والأجانب والعنصرية. في جوهرها. الساعية دون هوادة إلي "اقتناص" روح الشعوب. ولذلك فإن "القناص الأمريكي" كفيلم يجسد خلاصة ما تمثله السياسة الرأسمالية للحرب. إنه واحد ضمن قائمة طويلة من الأفلام تشكل نوعية من الترفيه الساعي إلي زرع هذه الأيدولوجية المتوحشة بأكثر الوسائل "نعومة" وأعني نوعية أفلام "الحرب".. فالفيلم "فانتازيا" بصرية لمشهد "عراقي" مؤلم ودعاية كريهة وشائنة بقدر ما هي كاشفة.. إنه عمل يحتاج إلي مناقشة طويلة. وتسليط الضوء علي مثل هذه الأعمال المأخوذة من تجارب حقيقية وواقع عشناه ونعيشه تعتبر من وجهة نظري المتواضعة أمراً ضرورياً.