الفيلم الأمريكي Divergent المعروض حاليا في القاهرة. مثل أفلام غريبة سبقته وأفلام أخري سوف تلحق به في السوق المصري هذا الموسم "2014". يضعنا أمام مرآة عاكسة كاشفة لنوعية الأفكارالتي تعالجها السينما في البلاد المتقدمة والخرافات والهراء الذي ينشغل به من يصنعون لنا الأفلام.. شعوب تفكر بعقولها وأخري بمؤخرتها.. وكلمة "دايفرجنت" Divergent تعني حسب الفيلم: المستعصي علي التصنيف. أي الإنسان الفرد المختلف. الذي يعمل بإرادة مستقلة ولا يندرج تحت نظام شمولي يضعه "كصنف" يشري يحمل صفة واحدة محددة مع آخرين من نفس الصنف. الفيلم يقسم البشر إلي خمس فئات: فئة "النكران" من ينكرون ذواتهم. و"المتدينون" "pious) و"المثقفون" و"المتسامحون" المسالمون. المخلصون و"الجسورون" بمعني "الشجعان" والفئة الأخيرة تشكل جماعة شديدة الإقدام ودون تفكير. أحداث الفيلم تدور في المستقبل. في مدينة شيكاجو الأمريكية المحاطة بالأسوار. مجتمع مغلق تماما. شمولي يحكمه نظام صارم. يضع الشباب فيما يشبه القطيع ولكل "قطيع" والصفة من عندي عنوان أو قيمة أخلاقية لا يحيد عنها وكأنها أصناف بقالة. فالمؤمن والناكر للذات والجسور والمتدين والمثقف الخ لا يحمل صفة أخري. ولا يمكن أن ينتقل من "صنف" لآخر. لا يمكن أن يكون "متدين" و"مقدام" أو الاثنين معاً مُضافا إليهما قيمة "الأمانة".. البشر وجه واحد مسطح يلتزم ولا يحيد. العالم كله يخضع لمفرمة دقيقة وقوية "الاختلاف" يعني الموت والمختلف يشار إليه بصفة Divergent التي أختيرت عنوانا للفيلم. أبشع الفئات "المثقف"! بطلة الفيلم شابة جميلة "شيلين وودلي" ولكنها "ديفرجنت" فلا يمكن إدراجها تحت فئة واحدة بعينها. ومعني ذلك انها شديدة الخطورة علي المجتمع المصنوع بالمسطرة والقلم. والخطير لابد من التخلص منه. "ما يجعلك مختلفاً. يجعلك خطيراً". هذا السر الخطير تحاول "تريسي.. اخفاءه" وتسلم نفسها لاختبارات صارمة ومنضبطة "خطيرة حتي يختار لها "النظام" وفقا للنتائج الفئة المحددة التي تنتمي اليها". الموضوع كما نري يتناول ما يمكن أن تتطور اليه الأمور في مجتمعات تدعي الحرية والديمقراطية. الصراع في الفيلم بين النظام الشمولي الذي تحكمه قوة باطشة لا تتردد في محو أي مخلوق يهددها وتقودها امرأة "كيت ونسلت" في دور نقيض تماما لدورها الذي لعبته في فيلم مثل "تايتانيك".. الفارق بين زمن "تايتانيك" "1912" وزمن هذا الفيلم الذي يدور في المستقبل يشير إلي أن "البشرية" تتجه نحو دمارها ليس من الخارج فقط وانما من الداخل. من إنسانية الإنسان ذاته. وقدرته علي الاختيار بإرادته الحرة.. والشمولية في مواجهة الإرادة القوية صراع أعتقد اننا نعيشه حاليا ومثل هذا الصراع بشكل أو آخر قائم علي مستوي العالم.. وفي رأيي انه موجود منذ الوجود نفسه والتطور في الأدوات هو ما يجعل من الصراع أمرا رهيبا ومدمراً.. "المدينة الفاضلة" حلم لم يعد متاحاً حتي في الخيال الروائي. و"المدينة الكابوس" بواقع يتحول إلي جحيم مستعر ومُعاش ما لم تتحول كفرد إلي "صنف" محدد ضمن الأصناف التي يحددها النظام. لا يمكن للفرد أن يعيش أسيراً لقيمة منفردة. ويلغي باقي القيم الأخري. أو يخضع لنظام شرير مهيمن يلغي إنسانية وإرادة الفرد. الموضوع كما يبدو من السطور صعبا ومركبا ولكن السينما بأدواتها. وعناصرها البصرية ومؤثراتها المسموعة والشخصيات التي تؤدي الأدوار بكفاءة وانفعال واندماج. والأهم بفهم فكري ولطبيعة الدور والأفكار التي يحملها إلي من يتابع الفيلم.. أقول ان السينما أصبحت قادرة علي تمرير أي موضوع مهما كانت صعوبته.. والفيلم من النوع "الأكشن" اللاهث بمعني أن "الحركة" الفيزيقية عنصر عضوي. أيضا هناك العناصر الرومانسية والسيكولوجية والعقلية التي تجعل منه عملا مُسلياً إلي جانب كونه كاشفاً عن رؤي مستقبلية لما يمكن أن تؤول إليه المجتمعات البشرية.. بطلة الفيل ممثلة رائعة وكذلك البطل الذي ينتمي إلي نوعية "الديفرجنت" أي المستعصي علي التصنيف.. المخرج نيل بيرجر والفيلم يعتبر الجزء الأول في ثلاثية مقتبسة من كتاب للمؤلفة فيرونيكا روث..