مأساة واخطار متعددة الجوانب كشفها الانهيار الجزئي الذي تعرض له كوبري منصور بعزبة النخل مما أدي إلي تعطل حركة مترو الانفاق لمسافة نحو 4 محطات.. ولعل هذا التوقف للمترو وأقل المخاطر التي ترتبت علي الانهيار لكن الواقع المرير ازاح الستار عن حقائق وقضايا غائبة لم نلتفت إليها إلا بعد وقوع كارثة وتلك قمة المأساة التي نعيشها علي مدي فترات طويلة دون تدارك الاسباب ومواجهتها منذ البداية قبل ان تتحول إلي كابوس يهدد مسيرة حياتنا وبالتالي تتفاقم المخاطر وتصبح الحلول باهظة التكاليف والضحية دائما بسطاء شعبنا من الغلابة. يتصدر هذه المخاطر عمليات تسكين هؤلاء الأسر أسفل كوبري منصور.. إذ كيف يتصور أي انسان أن يتم هذا التسكين تحت سمع وبصر حي المرج حيث تقول احدي السيدات من قاطني هذه العشش: إن حي المرج قد نقلنا إلي هذا المكان منذ 10 سنوات وتركهم في هذا المكان دون توفير ابسط الخدمات.. تصوروا في هذه المساحة الضيقة أسفل الكوبري أن هناك حماما مكشوفا يخدم نحو 10 اسر من هؤلاء السكان. وكم وقعت من مشاجرات وتزاحم نحو هذا الحمام البائس. وناهيك عن تكدس الاسر في بعض الغرف التي لا تزيد مساحتها علي 7 أمتار. لقد أخذ هؤلاء البسطاء يمارسون حياتهم وسط أكوام من المخلفات التي يقومون بفرزها والحياة بجوارها في ظروف معيشية صعبة وتجاهل من المسئولين لهذه الاعداد من البشر وما أدراك كيف ينشأ الأطفال وسط هذه العشش غير الآدمية وبعيدة عن أبسط حقوق الانسان. والانهيار الجزئي الذي تعرض له الكوبري ليس وليد الصدفة وانما نتيجة تصاعد الابخرة وغيرها من بين هؤلاء السكان وكذلك أنابيب البوتاجاز التي يستعملها هؤلاء البسطاء ولعل أنفجار الانبوبة التي أدت لاكتشاف هذه المأساة أبلغ دليل علي أن أجهزة المحليات بمحافظة القاهرة تركت هذه المنطقة بلا رعاية. وظل هؤلاء يقاومون شظف الحياة وقسوتها وحين وقع الحادث أخذت صيحات الغلابة تتردد وسط وسائل الاعلام. بما يوضح مدي حجم المأساة التي يتعرضون لها منذ نحو 10 سنوات دون توفير ابسط وسائل الحياة. انها بلاشك وصمة عار تطاردنا جميعا باعتبارنا شركاء في المسئولية وليس اجهزة حي المرج وحدها. وليت الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة يتخذ اجراءات سريعة للقضاء علي هذه العشش وازالتها من تحت الكوبري حتي لا تتكرر هذه الكارثة مرة أخري مع توفير مساكن بديلة لهؤلاء الغلابة تتواءم مع عدد افراد الاسرة بحيث ان الدولة لا تدخر وسعا في تدبير حياة كريمة لكل أبناء الشعب. ولتكن الاجراءات سريعة وأن يتم بحث أحوال هؤلاء بكل دقة وابعاد المتسلقين الذين ينتهزون هذه الكوارث ومحاولة الحصول علي مساكن في زحام الاحداث دون وجه حق. وليت الأمر يمتد إلي كل الأماكن التي بها مثل هذه العشش حتي لا نفاجأ بكارثة أخري نتيجة تكدس الغلابة في أماكن لا تليق بالبشر ومنشأة ناصر ليست ببعيدة وما جاورها من أماكن الزبالين. ليت الاهتمام يصل إلي البؤر المماثلة حتي لا نفاجأ بعشوائيات جديدة تنضم إلي الاعداد الأخري بمختلف أحياء العاصمة. ومن أخطر القضايا التي كشفت هذه المأساة عمليات صيانة الكباري وغيرها من المنشآت التي بذلنا فيها الكثير من الجهود وتم تشييدها علي أعلي مستوي ثم تجاهلنا صيانتها وتركنا المشاكل المتراكمة علي مدي سنوات تحاصرها وعلي سبيل المثال هذا الكوبري المنهار. هل تمت صيانته علي مدي سنوات عمره للاسف لقد تركناه بلا أي ترميمات أو اصلاح لأي عطب أو خلل وظل التداعيات وعوادي الزمن وعوامل التعرية تطارده حتي كشفت المأساة انبوبة بوتاجاز. تراكمات واهمال أدي إلي الانهيار. وهذا الكوبري لن يكون الأخير. فقد سبقه كوبري كفر الزيات وهناك الكثير من الكباري والطريق الدائري وكلها في أشد الحاجة لعمليات صيانة سريعة. وبلا تجاهل أو اهمال حتي تستيقظ علي كارثة أشد خطر. ان الكباري فوق قضبان السكة الحديد بالقاهرة هي الاخري في أشد الحاجة للصيانة. الأتربة تتراكم فوقها وعوامل التعرية تجعلها تتآكل والصدأ يلتهم مكوناتها من الحديد. اعتقد ان انهيار كوبري منصور بعزبة النخل يجب ان يستلفت الانظار لاتخاذ الاجراءات التي تكفل توفير الصيانة لكل الكباري والمنشآت الحيوية والسعي بكل همة ونشاط لنظافتها وصيانتها ولعل هذا التجاهل يختفي من حياتنا. ان الطريق الدائري وما يجري فوقه والكباري التي تربط بين الاحياء والمواقع لابد أن تكون في بؤرة اهتمام مختلف الأجهزة المسئولة سواء بالمحليات أو الطرق والكباري والسكة الحديد نريد تحركا سريعا قبل فوات الأوان.