يعتبر تأزم العلاقات المصرية التركية ووصوله إلي هذا المنحي ليس بالجديد. فالتاريخ الدبلوماسي بين البلدين يظهر مرور هذه العلاقات بمحطات مختلفة منذ إنشائها في القرن التاسع الميلادي. أولي محطات التوتر والأزمات تعود لعام 1961 في عهد الرئيس جمال عبدالناصر عندما رفضت أنقرة الوحدة المصرية السورية وأقرت الانفصال. وبقيت العلاقات خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين متعلقة بالجوانب الاقتصادية أكثر منها بالجوانب السياسية. مع وجود زيارات متبادلة لبعض كبار المسئولين. وفي التسعينيات. توطدت العلاقات السياسية. بشكل كبير. بسبب الدور الذي لعبته مصر في تهدئة الوضع بين تركيا وسوريا في نزاعهما حول المياه. والحدود. والأكراد. لكن الأمور تغيرت مع ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. ليحدث نوع من الفتور السياسي عندما دعا رئيس وزرائها أردوغان إلي الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. وسرعان ما عادت الأمور إلي التقارب أيام حكم المجلس العسكري. حيث وصل الرئيس التركي عبدالله جول إلي القاهرة. ناقش فيها سبل دعم التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين خلال المرحلة الانتقالية. بلغت العلاقات أوجها مع وصول الرئيس المعزول محمد مرسي. فاضافة إلي تطور العلاقات السياسية والاقتصادية. دخلت العلاقات العسكرية إلي الواجهة بالاتفاق علي إجراء تدريبات مشتركة. وحضور مرسي مؤتمراً لحزب العدالة والتنمية التركي. ممثلاً عن حزب الحرية الذراع السياسي للجماعة. ومع سقوط الإخوان عن رئاسة مصر. بثورة 30 يونيو. وعزل مرسي في الثالث من يوليو الماضي.. دخلت العلاقات المصرية التركية علي خط التدهور السريع. وبدا منذ اللحظة الأولي أن تركيا حسمت أمرها وموقعها إلي جانب الإخوان بمواجهة الشعب المصري وثورته الشعبية غير المسبوقة. وعقب عزل مرسي. تعمد "أردوغان" وصف ما حدث ب"الانقلاب العسكري" ووجه انتقادات لمن يسانده.. وقد تكرر ذلك في لقاءاته وخطاباته وتعليقاته سواء في لقاءات عامة أو حزبية أو إعلامية.. وكان أول هذه المواقف وضوحا يوم 12 يوليو في كلمته بمركز "القرن الذهبي" للمؤتمرات باسطنبول. ضمن حفل لحزبه العدالة والتنمية.. حيث أكد في كلمته أن ما حدث في مصر "انقلاب عسكري" استهدف إرادة الشعب المصري وحقه الديمقراطي. وقامت الخارجية التركية بعدها باستدعاء سفيرها بالقاهرة للتشاور. بعد إدانة قوية من أنقرة لما اعتبرته تعسفاً من القوي الأمنية المصرية وإفراطاً منها في استخدام القوة ضد المعتصمين برابعة والنهضة.. وهو ماردت عليه وزارة الخارجية بإجراء مماثل. باستدعاء السفير المصري لدي أنقرة في اليوم التالي. وأعلنت مصر وقف التدريبات البحرية المشتركة مع تركيا. التي كان مقرراً إجراؤها في الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي. يوم 22 أغسطس الماضي وبالتزامن مع إساءات الإخوان بمصر للإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.. هاجم أردوغان "الطيب" قائلاً: "إنه شعر بالإحباط عندما رأي شيخ الأزهر يؤيد "الانقلاب العسكري" في مصر. وتساءل "كيف يمكنك القيام بذلك"؟. مضيفاً: أن التاريخ سيلعن الرجال أمثاله كما لعن التاريخ علماء أشباهه في تركيا من قبل.. وهو ما أثار غضباً واسعاً في مصر. وقبل ساعات من إعلان مصر طرد السفير التركي لديها كانت اسطنبول تستضيف مؤتمراً للتنظيم الدولي للإخوان تحت مسمي "مؤتمر تحالف الحقوقيين الدوليين" لمقاضاة مصر والنظام الحالي في الجنائية الدولية للتحقيق في انتهاكات لحقوق الإنسان بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة. علي الجانب الاخر اتهمت وزارة الخارجية رئيس الوزراء التركي بانه يتحدي إرادة الشعب المصري العظيم ويستهين باختياراته المشروعة ويتدخل في الشأن الداخلي للبلاد. مؤكدة أن تصريحات أردوغان تمثل افتراءات وقلباً للحقائق وتزييفاً لها بشكل يجافي الواقع منذ ثورة 30 يونيو. أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير بدر عبدالعاطي أن مصر قد حرصت من واقع تقديرها للعلاقات التاريخية التي تجمعها بالشعب التركي الصديق علي منح الفرصة تلو الأخري للقيادة التركية لعلها تحكم العقل وتغلب المصالح العليا للبلدين وشعبيهما فوق المصالح الحزبية والأيديولوجية الضيقة. الا أن هذه القيادة أمعنت في مواقفها غير المقبولة وغير المبررة بمحاولة تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية. وبدعم اجتماعات لتنظيمات تسعي إلي خلق حالة من عدم الاستقرار في البلاد. وبإطلاق تصريحات أقل ما توصف بأنها تمثل إهانة للإرادة الشعبية التي تجسدت في 30 يونيو الماضي. وقال ان الحكومة قررت تخفيض مستوي العلاقات الدبلوماسية مع تركيا من مستوي السفير إلي مستوي القائم بالأعمال ونقل سفير جمهورية مصر العربية لدي تركيا نهائياً إلي ديوان عام وزارة الخارجية بالقاهرة. علما بأنه سبق استدعاؤه بالقاهرة للتشاور منذ 15 أغسطس 2013 واستدعاء السفير التركي في مصر إلي مقر وزارة الخارجية اليوم وإبلاغه باعتباره "شخصاً غير مرغوب فيه" ومطالبته بمغادرة البلاد. أشار إلي أن مصر شعبا وحكومة تكن الاعتزاز والتقدير للشعب التركي. ولكنها تحمل الحكومة التركية مسئولية وتداعيات ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين والتي استدعت اتخاذ هذه الاجراءات.