العقاد ومقاومة الاستبداد" .. احتفالية نظمتها هيئة قصور الثقافة علي مدي ثلاثة أيام في مدينة أسوان وافتتحها اللواء مصطفي السيد محافظ أسوان. والشاعر سعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة في حضور عبدالعزيز العقاد ابن شقيق العقاد ممثلاً عن أسرة العقاد. ود. محمد رضا الشيني نائب رئيس الهيئة. والشاعر محمد أبوالمجد رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية. وسعد فاروق رئيس إقليمجنوب الصعيد الثقافي. ود. مدحت الجيار أمين عام الاحتفالية. وزينب مدني مدير عام الفرع الثقافي بأسوان. والروائي فؤاد مرسي مدير عام الثقافة العامة. تنوعت أبحاث احتفالية العقاد. التي شارك فيها عدد كبير من الباحثين. لتناقش موقف العقاد مع المرأة. وعشقه للحرية. والسلطة في فكره. وموقفه من الحكم العسكري. ومعاركه حول الدستور. والفضاء النصي لمسألة الاستبداد عنده.. وغيرها من الموضوعات التي حظيت بمناقشات موسعة خلال جلسات الاحتفالية. في بحثه "عباس محمود العقاد.. عاشق الحرية" قال الباحث احمد حسين الطماوي ان ميل العقاد الي الحرية أصيل فيه. فمنذ بواكيره كان خصماً عنيداً للتسلط والقهر. نافراً من الرق والخضوع. والامتثال للأوامر دون مراجعة. وابداء القبول والموافقة. ولا أظن - يقول الطماوي - ان هذا الموقف اتخذه بعد تثقيف واطلاع. او نتيجة اعراف وتقاليد. وانما هو اصيل في سلائقه وسجاياه. فلا جرم أنه قدم استقالته من وظيفته الحكومية وهو في الثامنة عشرة من عمره. وكتب في جريدة "الجريدة" عام 1907 مقالة تحت عنوان "الاستخدام أو رق القرن العشرين" ألب فيها الشبان المتنازلين عن حقوقهم وحرياتهم علي عبودية الوظيفة الحكومية. وقدمت د. ثناء أنس الوجود قراءة نقدية موازنة في كتاب "المرأة في القرآن" لعباس العقاد. ذكرت فيها ان القول بتوحد ما اشيع عن العقاد من كراهية المرأة. وآرائه فيها عبر كتاباته. يعد ضرباً من ضروب التعسف غير المؤسس علي حقائق يعد الحديث عنها خلطا لأوراق سبق اتهام توفيق الحكيم علي أساسها ثم اكتشفت الحقيقة واكتشف زيف الموقف برمته. فقد تزوج الحكيم وأنجب وكتب ما كتب بعد ذلك حباً في المرأة وانصافاً لها. وعن موضوع المرأة أيضاً تحدث د. جمال العسكري من خلال قراءة في كتاب المرأة في القرآن. مشيراً إلي أن المرأة عند العقاد لا تمتلك الاستعداد المستقل لتكوين القيم الاخلاقية. وانشاء قواعد العرف. علي الرغم من أنها تستقبل الرجل في طور حضانته وكان يمكنها أن تنفرد ببذر البذور الخلقية من العادات وغيرها.. لكن الواقع المتكرر - علي حد تعبير العقاد - في المجتمعات الإنسانية يؤكد ان المرأة تتلقي عرفها من الرجال. حتي في ما قد يظن أنه من طبيعتها. لقد أدرك العقاد مبكراً - كما أشار د. زين عبدالهادي في بحثه "العقاد.. وجوه متعددة للحرية" - ان الانسان في وادي النيل هو ابن للحضارة والفن والدين. لذلك كان دائم البحث عما يمكن أن يجمع بين ما يظنه الناس من العامة أضداداً متنافرة. فهو يبحث في روح القانون من أجل ان تتناغم الحرية مع المعتقد الديني. ومن أجل ان يتناغم المعتقد الديني مع مفهوم الفن. ومن أجل ان ينصهر كل ذلك في حضارة إنسانية جديدة. وواصل د. عبدالرحيم الكردي مناقشة هذا الجانب في بحثه "السلطة في فكر العقاد" حيث ذكر ان العقاد اعتمد في تسجيله لتاريخ الإسلام علي عبقريات الأفراد لا علي الأحداث. في كتبه المعروفة بالعبقريات. ورأي ان مفهوم الإيمان في الدين الإسلامي مرتبط بالحرية. فهو يقول في كتابه "الديمقراطية في الإسلام": إن الأمم الإسلامية في عصرنا تنهض وتتقدم. وإنها أحوج ما تكون في هذه المرحلة خاصة الي الحرية والايمان متفقين. لأن الحرية بغير إيمان حركة آلية حيوانية أقرب الي الفوضي والهياج منها الي الجهد الصالح والعمل المسدد الي غايته. لقد كان الموقف النضالي للعقاد - كما ذكر د. عبدالمنعم الجمبعي - سبباً للكثير من عنت الطغاة ضده. لذلك اقترن اسمه في الأذهان بصورة الفارس الذي لا يفرغ من معركة حتي يبدأ الاخري. فكان أحد تلك الاعلام الفكرية الخفاقة في تاريخ مصر الوطني منذ أن أمسك بالقلم شابا يافعا حتي فارق الحياة. وعن الفضاء النصي لمسألة الاستبداد عند العقاد جاء بحث د. محمد حافظ دياب الذي اكد فيه ان ابتعاد العقاد عما حوته المكتبة الاوربية عن الاستبداد. حدا به أن يقترب من رؤية مغايرة. أقرب إلي الدلالات التوضيحية لحيثيات المجتمعات الشرقية والإسلامية. وتحديداً المصرية. وهو ما وجده لدي جماعة الإصلاح التي تأتلفها أسماء الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي. ممن حاولوا صوغ مشروع فكري إصلاحي وكان رهانة علي استراتيجية تدريجية وتراكيمة. تعتمد التربية والتكوين والتثقيف. لبلوغ هدف الفكرة الإصلاحية وبثها في النفوس. وتحرير الوعي من عوائق التقليد والتأخر. عبر التقدم للتعبير عن الرأي بالحجة والدليل. والتوسل بأسلوب الحوار والمناظرة. والتزام اخلاقيات الاصغاء والتفكير وإعمال مبدأ الوسطية والاعتدال. ولأن الحرية كانت تشغل الحيز الأكبر في فكر العقاد فإنه - كما ذهب د. محمد عفيفي - حتي في المسألة الإيمانية. والنظرة إلي الله. لا ينسي أهمية الحرية في ذلك الأمر. يكتب العقاد مقالاً مهماً في هذا الشأن في "هلال" عام 1954 تحت عنوان "الله" يؤكد فيه أهمية العقل والوعي في المسألة الإيمانية.. يقول العقاد: "في رأينا أن مسألة وجود الله مسألة وعي قبل كل شيء.. والوعي والعقل لا يتناقضان". * حرص اللواء مصطفي السيد محافظ أسوان علي حضور معظم الجلسات وساهم بجهد وافر في دعم الاحتفالية وهو أمر ليس غريباً علي هذا الرجل الذي يعد من أكثر المحافظين تعاوناً مع الثقافة ودعماً لها.. وقد استجاب المحافظ لكل الطلبات التي تقدم بها المشاركون في الاحتفالية ومنها تطوير مقبرة العقاد. وجعل هذا العام عام العقاد في جميع مدارس أسوان تمهيداً لاحتفالية الخمسينية في العام القادم التي وعد المحافظ بدعمها. * في جلسة الاحتفالية الافتتاحية جاءت كلمات المتحدثين عن قيمة العقاد وأهمية استعادته في هذا التوقيت تحديداً. وتم تكريم الفائزين بالمسابقة التي نظمتها الهيئة حول العقاد. كما تم تكريم د. سعيد اللاوندي باعتباره أحد المهتمين بتراث العقاد وحصل علي الدكتوراة من جامعة السوربون حول العقاد. * لوحظ غياب معظم أدباء أسوان عن الاحتفالية وتردد أنهم معترضون علي عدم اشراكهم في الفعاليات. وان اقامت الهيئة امسية شعرية لهم. لكن الأمر يستحق المراجعة فعلاً. فلا يعقل أن تقام احتفالية للعقاد في مسقط رأسه بأسوان لا يشارك فيها أدباء أسوان بفاعلية. وقد علمت أن دائرة مشاركة أدباء أسوان في احتفالية الخمسينية سيتم توسيعها. والمرجو من أدباء أسوان التقدم بافكار ومقترحات للمشاركة في الاحتفالية القادمة.