الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي انتهي يوم الخميس الماضي تشهد بوجود حاضر قوي ومتنوع للسينما في بلاد العرب. وأن لكل بلد بصمته الخاصة فالسينما اللبنانية تتقدم بخطي لافتة ومدهشة. والكويت تشارك أخيراً بفيلم "تورا بورا" بعد سنوات طويلة من أول فيلم روائي طويل. في عام 1971 ظهر فيلم "بس يا بحر" للمخرج الكويتي خالد الصديق.. وظهر من خلاله الممثل سعد الفرج. في هذه السنة أي بعد 41 سنة يفوز هذا الممثل نفسه بجائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم المشارك في المسابقة العربية لمهرجان القاهرة في دورته ال 35!! والمفارقة أن هذه حسب معلوماتي الجائزة الأولي ربما التي يحصل عليها هذا الممثل في مجال السينما ومن خلال مهرجان دولي.. وسعد الفرج من جيل الرواد وهو أحد الأسماء البارزة في الحركة الفنية في دول الخليج وقد عمل رئيسا لقسم الدراما بتليفزيون الكويت ومستشارا للدراما التليفزيونية وألف عددا من الأعمال المسرحية والتليفزيونية ولديه شهادات أكاديمية في الإخراج والإنتاج التليفزيوني ولعب دوراً كبيراً في عدد كبير من المسلسلات وحصل علي شهرة كبيرة من خلال أعماله مع مجموعة من الفنانين الكويتيين منهم حسين عبدالرضا وسعاد عبدالله وحياة الفهد وخالد النفيس ومريم الغضبان. سعد الفرج في فيلم "تورا بورا" يقدم خلاصة تجربته كممثل متمرس. وصاحب خبرة طويلة في الأداء التمثيلي علي الشاشة الصغيرة. ودوره علي الشاشة الكبيرة يعكس هذه الخبرة في الوقوف أمام الكاميرا. مثلما يؤكد قدرته التعبيرية التي تنقل حجم المعاناة والألم لأب يبحث عن ابنه الذي ذهب يجاهد مع العرب في أفغانستان بعد أن تعرض هذا الابن وخضع بانضمامه إلي هؤلاء المجاهدين إلي عملية غسيل مخ جعلته يؤمن بعدالة قضيتهم وبأنه يؤدي رسالة لنصرة الإسلام! الدور يحتاج إلي الإيحاء بكم الألم والمعاناة والخوف أثناء رحلة البحث الطويلة عن الابن الذي يعيش في جبال وكهوف "تورا بورا" مثلما يحتاج إلي التعبير عن عملية الصعود والهبوط المعنوي بين أمل العثور عليه واليأس من وجوده علي قيد الحياة. و"تورا بورا" أول فيلم روائي طويل للمخرج وليد العوضي ولا شك انه عمل سينمائي جيد ومتقدم فنيا علي مستوي الصورة. والحركة والمناظر رغم أنه لم يصور في الأماكن الطبيعية للأحداث. والخوف أن تمر سنوات طويلة ولا يجد هذا المخرج الموهوب الفرصة لتقديم عمله الثاني!! لقد اختلف إيقاع الزمن. وحصل الفيلم السينمائي في دول الخليج علي اعتراف بأهميته. وأصبح لهذه المنطقة من العالم وجود علي مستوي المهرجانات السينمائية التي تطمح أن تحتل مكانة كبيرة علي خريطة المهرجانات الدولية.. وكذلك بدأ الإنتاج الوطني في هذا المجال يأخذ مكانه. خالد الصديق نراه حاليا في هذه المهرجانات كضيف فقط ونحتفي به كأول مخرج وضع السينما الكويتية في ذاكرة الناس بفيلم جميل وقوي يعبر عن "معاناة" كانت وانتهت في حياة الشعب الكويتي. ومعاناة سعد الفرج في ذلك الفيلم تصور حياة البحر والصراع معه والتي أصبحت مجرد ذكريات وتاريخ فات. وفي "تورا بورا" دخلت الهموم العربية منحي آخر. حيث أصبح الإسلام السياسي وقياداته المتباينة حديث العالم. وصار "الإرهاب" والعنف والقتال المسلح بعضا من سمات العرب.. وانجراف الشباب إلي هذه التيارات بات يؤرق الكثير من الأسر العربية. وفي رحلة البحث عن الابن المفقود الكثير من الملامح التي تميز هذه المرحلة وتضع خطوطا تحت شواغلها ومصادر قلقها وتخلفها.. وقد جسد سعد الفرج الجانب الآخر في حياة "الأب" وحياة الأسرة العربية. الجانب غير السلطوي والمسيطر وإنما المغلوب علي أمره أمام أبناء يتعرضون لغسيل مخ ايدولوجي ويتوهون في الجبال.