وجه الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، مدير قناة «العرب» الإخبارية، انتقادًا لاذعًا لأسلوب الإدارة والقيادة داخل جماعة «الإخوان المسلمين»، في ظل الاعتماد على الرعيل الأول، استنادًا إلى «سجلهم في «الصبر في المعتقلات» على حساب غيرهم من أصحاب الخبرة، ممن لم يجرب المعتقل والإقصاء، الأمر الذي اعتبره كان سببًا لما وصفه ب «القرار الخطأ، الذي كان كارثيًا في مصر عام 2013 والأردن عام 2016». خاشقجي في مقاله المنشور بصحيفة «الحياة» اللندنية السبت، تحت عنوان «الإسلاميون: جمهور عريض بلا قائد حصيف» استعرض جملة من الأسباب التي تلخص بنظره أزمة الجماعة من واقع «مشاهدات شخصية ونتاج معرفتي بالحركة ومتابعتها ربع قرن، وحديث مع شبانها وشيوخها والمتقاعدين والمبتعدين والمستقلين عنها». وجاء على رأس تلك الأسباب: مبدأ تقديم «الرعيل الأول» السابقين المتقدمين في الحركة بسجل الصبر في المعتقلات والثبات أمام المغريات والضغوط، وكلها مبادئ نبيلة، ولكن تقديمهم على غيرهم من أصحاب الخبرة، ممن لم يجرب المعتقل والإقصاء، بل حتى اقترب من دوائر الحكم وعرفها، واكتسب مهارات الواقع، أدى دومًا إلى أن يتخذ الشيخ القائد القرار الخطأ، الذي كان كارثيًا في مصر عام 2013 والأردن عام 2016. السبب الثاني أن أدبيات «الإخوان» تعج بحديث وذكريات وأشعار السجون والمعتقلات، والصبر والابتلاء والتمحيص، لعلهم في حاجة إلى من يصرخ فيهم إن هذا ليس قدرًا محتومًا، والذهاب إلى المعتقل قد يكون هربًا من تحمل المسؤولية في لحظة فارقة. إنه ليس ميزة، بل هرب من السياسة ومساوماتها وتنازلاتها. عندما تكون القضية هي الوطن فإن مصلحة الوطن في ساحة السياسة الواسعة وليس في زنزانة ضيقة بمعتقل بائس. ثقافة المعتقلات والترحيب بها تدفع نحو معادلات صفرية، فإما كل شيء وإما المعتقل! ثم أكتب قصيدة تمجد هذا الموقف العظيم أمررها على عشرات الآلاف من الشباب الذين زجّ بهم في السجن من أجل ذلك «الثبات والصمود». السبب الثالث، ثقافة السمع والطاعة، والولاء قبل الكفاءة، هذه الثقافة تطرد المبدعين من الحركة، من السياسيين المحترفين، وتبقي المتواضعين في قدراتهم، المستعدين دومًا للسمع والطاعة في المنشط والمكره، وتدفع بهم للصعود إلى أعلى يتصدرون مواقعهم في مجلس شورى الجماعة ومؤسساتها، فيشاركون الشيخ القائد الثقة الصابر من جيل الرعيل الأول في اتخاذ قرار كارثي آخر. وفي سياق إجابته على التساؤل: لماذا نجت حركات تركياوتونس والمغرب من قيادات كهذه؟ يرجع خاشقجي ذلك إلى جملة من الأسباب والعوامل تتعلق بطبيعة الأوضاع في الدول المشار إليها. ففي تركيا يشير خاشقجي إلى أمرين، «أولهما اتفاق نخبها السياسية، إسلامية كانت أم علمانية، على مدنية الدولة والديموقراطية، فسعوا إليها وتوافقوا على تحريرها بتدرج من تغوّل الجيش عليها، ومن هنا وجدت الحركة الإسلامية، حتى في زمن مؤسسها نجم الدين أربكان المرتبط أكثر بمنهج «الإخوان»، ساحة سياسية يناور فيها، فيشكل حزبًا ليحل، فيعيد تشكيله ثانية باسم آخر، ويعيد صياغته ليتفق مع السياسة السائدة وظروفها، ليحل فيكرر ثالثة، وهكذا». إضافة إلى ذلك، قال إن «الديموقراطية امتدت إلى القواعد المحلية، والبلديات، والمختارين، وهناك وجدت كوادر الحركة فرصتها للممارسة السياسية واكتساب خبرة من الواقع والظهور أيضاً، ومن هؤلاء رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، الذي صنع مجده السياسي بصفته رئيسًا لبلدية إسطنبول، ولم يكن وحده، وإنما معظم كوادر حزبه برزوا أولاً في مدنهم وقراهم بوصفهم رؤساء بلديات ومختارين» الأمر الثاني – وفق خاشقجي - «أنهم أصبحوا وأحزابهم محترفي سياسة وليس وعاظًا ودعاة، ساسة يتعاملون مع موازنات ومشاريع، وهو ما عجزت دعوة «الإخوان» عن التحرر منه على رغم أنها شكلت أحزابًا سياسية تابعة لها، ولكنها ظلت دومًا «تابعة لها». وأشار إلى أن «هذه المساحة الحرة أعطت أردوغان أيضًا الفرصة للظهور بمثابة زعيم وطني لا زعيم جماعة، ما مكنه أن يتجاوز حتى شيخه أربكان، وشكل حزبًا ينافسه ويخرجه من حلبة الصراع السياسي». أما تونس، فأرجع نجاح تجربة الإسلاميين فيها إلى أن «الحركة فيها متقدمة فكريًا على نظيراتها بالشرق مبكرًا، وليس صحيحًا إيعاز ذلك إلى إقامة زعيمها راشد الغنوشي لاجئًا بالعاصمة البريطانية عقدين، فعلى بعد أميال قليلة من منزله هناك كان هناك سلفيون متشددون يدعون إلى الخلافة والجهاد ويناوئون الديموقراطية، بل إن كثيرًا من فكر «داعش» الحالي صنع هناك خلال التسعينات». وأضاف: «لم يختر الغنوشي ذلك وإنما كان تقدميًا، بحكم تقدم حركته، التي حافظت على ميراث المدنية التونسية التي أسسها مفتيها الطاهر بن عاشور أوائل القرن. أذكر أنني أول ما تعرفت على مصطلح «اليسار الإسلامي» كان في تونس عندما اقتنيت أعداد مجلة كانت تصدر هناك في الثمانينات، والتقيت ناشريها الذين اختاروا لها اسماً مثيرًا للجدل: «15/21» رمزًا للمستقبل والقرنين ال15 الهجري وال21 الميلادي اللذين نعيشهما الآن». أما عن تجربة الإسلاميين في المغرب، فقال خاشقجي إنه «لا يخفى تأثير شخصية رئيس وزرائها عبدالإله بن كيران القيادية وزعامته، والذي لم يوجه حدية لسانه وصراحة خطابه ضد خصومه السياسيين من خارج التيار الإسلامي، بل وجهها حتى ضد الشيوخ التقليدين، واستقل تمامًا عن جماعة «العدل والإحسان» التي حافظت على تقليدية «الإخوان»، وقدم نفسه بصفته سياسيًا، أولاً، وإسلاميًا، ثانيًا، مقرًا بشرعية الملك والدولة، مكملاً وناصرًا لها، لا بديلاً عنها، وبالتالي استطاع كسب ثقة جمهور واسع من الشباب الإسلامي، وأهم منهم عموم المغاربة الذين يريدون من يحدثهم عن الوظائف والمعيشة في هذه الدنيا قبل الآخرة، وكذلك ملك البلاد محمد السادس». وخلص خاشقجي إلى القول: «حان الوقت لأن يقول أحد ل «إخوان» المشرق: إن الإصلاح لن يبدأ من النظام، وإنما يبدأ عندما تستبدلون الرعيل الأول البعيد من الواقع بسياسيين محترفين مدركين للواقع».