كل الدول التي تصالحت مع نفسها نجحت! خذ على سبيل المثال لا الحصر الهند التي تقاتل هندوسها مع سيخها مع مسلميها، وتفرغت أحزابها لتزكية إراقة الدماء قبل أن يعتذر رئيس وزرائها لكل فرد طاله أذى ويلتئم شملها من جديد، لتزاحم أمريكا وروسيا والصين في كل شيء! ولماذا نذهب بعيدًا خذ تركيا التي تطاحن جيشها مع ساستها وتوالت الانقلابات تلو الانقلابات قبل أن ينتبه الجميع للفرصة النادرة التي أمسكوا بها وتناسوا بل نبذوا خلافاتهم ليزاحموا أوروبا سياحياً واقتصادياً واجتماعياً! هذه البديهيات مازالت تقابل بحائط صد بناه ويعليه ذوو المصالح الخاصة والمآرب الخاصة في أكثر من دولة عربية! ولماذا نذهب بعيدًا، ونصاب بالخوف حد الرعب إذا ما جاء الحديث عن حتمية المصالحة الداخلية في مصر.. قلب العروبة؟! قد يبدو الأمر صعبًا من وجهة نظر البعض، وقد يبدو مستحيلاً لدى البعض الآخر، لكن هؤلاء جميعًا لايدركون أن الأصل في مصر هو السماحة، وأن الثابت فيها هو العراقة! زرت الهند كثيرًا في منحنيات ومنعطفات خطيرة، كان الدم فيها يجري أنهارًا، وكانت أصوات الرافضين للصلح والمصالحة أعلى من أصوات الانفجارات، قبل أن يصل شاندرا شيكر للحكم، وتهدأ البلاد رويدًا رويدا.. وحين كنت أفترش مع رئيسها الأرض ليحدثني عن خطورة التعصب، كان فجرًا جديدًا يطل على الهند من كوة منزل قديم في دلهي! وفي الفجر، قبل أسبوع واحد كنت أقرأ في الطائرة رواية الشاعر فاروق جويدة التي نقلها من قصر الاتحادية في القاهرة، ونشرتها «الأهرام» وأنقلها هنا حرفيا:
قلت للرئيس: إن أسوأ ما لحق بنا في هذه المحنة هو انقسام الشعب المصري إلى فصائل وقبليات، وأن مصر كانت قد انتهت من زمن بعيد من روح القبلية لكنها عادت مرة أخرى تمزق الجسد المصري حتى أصبحت لدينا الآن قبلية ثقافية وأخرى اجتماعية وثالثة سياسية.
وقلت للرئيس: إن النخبة التي تجتمع معها الآن تعاني من الانقسامات في الفكر والمواقف وإن قضية تجديد الخطاب الديني تحولت إلى صراع! وقلت للرئيس: لا يعقل أن تأخذ قضية الخطاب الديني كل هذا الوقت في الإعلام المصري تحت الأضواء الساطعة بينما آلاف الشباب خلف قضبان السجون ينتظرون الإفراج! وقلت للرئيس: إن لعنة القبلية البغيضة التي تسللت إلى حياة المصريين وصلت إلى العائلة المصرية ما بين الأم والأب والأبناء! وقلت للرئيس: إن محنة الانقسامات التي أطاحت بنا قد تركت آثارها على كل الأشياء في مصر بين ثوار يناير وثوار يونيو وكلاهما انقسم على نفسه ما بين فلول الحزب الوطني وفلول الإخوان، وما بين نخبة انقسمت على نفسها حين غاب الحوار وتراجعت لغة التفاهم! هذا ما قاله جويدة، وأظنه أصاب كبد الحقيقة، وآه وألف آه على كبد مصر!