37 ثانية.. الزمن الفعلي للدراما الرئاسية التي يتناولها كتاب عبداللطيف المناوي (الأيام الأخيرة لمبارك 18 يوما) ويصدر خلال الأيام القادمة. لم يستغرق خطاب تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك سوى 37 ثانية بصوت عمر سليمان، ولكنها ثوان غيرت مجرى التاريخ المصرى. تساءلت قبل أيام.. ما الذي منع مبارك من الهروب إلى الخارج كما قعل زين العابدين بن علي؟.. المناوي الذي يعتبر شاهدا مهما على أسرار تلك الأيام والساعات الأخيرة لحكم مبارك، لكونه شغل أهم منصب إعلامي مقرب من الرئاسة كمدير لقطاع الأخبار بالتلفزيون المصري والرجل الثاني في مبنى ماسبيرو بعد وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي الذي كان بمثابة ابن ثالث للعائلة الرئاسية. المناوي صديق وزميل قديم زاملته في مكان واحد عدة سنوات، أعرف عنه تميزه بالدقة والمهنية والبحث في التفاصيل. يجنح للموضوعية بعيدا عن الإثارة ومجتهد في عمله إلى أبعد الحدود. من هنا نحن على موعد مع أهم وأول شهادة تخرج حتى الآن، وتستحق أن تجري وراءها الصحافة العالمية. سيدة القصر سوزان مبارك الشخصية المحورية لتلك الدراما، فقد اخترعت نظرية توريث الحكم لنجلها، ثم لعبت الدور الرئيسي في تأخر التنحي 18 يوما، وتشبثت بالقصر بعد رحيل بعلها إلى شرم الشيخ! تستحق سوزان ثابت دراسة نفسية للحبل السري الذي ربطها بقصر الحكم. هل فقط الرغبة في توريث الرئاسة لنجلها الأقرب إلى قلبها جمال مبارك، أم لأنها لم تتخيل أنها ستعيش في حياتها يوما واحدا بعيدا عن دائرة القوة والنفوذ؟! فارق بين جيهان وسوزان. الأولى نكبت في جزء من الثانية باغتيال زوج ورئيس كان حديث العالم ومع ذلك تماسكت وذهبت إلى منزلها لتغير ملابسها ولم نرها تدمع دمعة واحدة. الثانية ظلت تقاوم التنحي 18 يوما وعندما ترك زوجها الحكم وكان عليها مغادرة القصر، عثر عليها الحراس منبطحة على الأرض في حالة يرثى لها، بينما ابناها جمال وعلاء في انتظارها بالمطار. أبقت الحراس في انتظارها أكثر من ساعة، وعندما دخلوا التقطوها من على الأرض وساعدوها في التجول داخل القصر لجمع متعلقاتها الخاصة. أثناء الرحيل ظلت تصرخ في الحراس.. هل تعتقدون أنهم سيأتون إلى هنا – تقصد المتظاهرين – أرجوكم لا تدعوهم يأتون. لا تدعوهم يدمرون القصر. ابقوا هنا واحموه. لم تكن تريد الخروج من القصر الجمهوري، بل عندما وصلت إلى شرم على متن الطائرة الهيلوكبتر التي أقلتها مع ابنيها، ضمتهما بجانبها ورفضت المغادرة. تقول صحيفة "التايمز" البريطانية إن المناوي لعب دورا رئيسيا في اقناع مبارك بالتنحي، وربما كان له دور أيضا في صياغة خطبه أثناء الثورة الشعبية. ما ذكره المناوي في الكتاب يلمح إلى أنه صاحب صياغة الخطاب الأخير على الأقل، فقد اندهش من كمية الأخطاء التي ارتكبت أثناء تسجيله، وكيف أن جمال حذف كل الفقرات التي كانت تتحدث عن التنحي في محاولة أخيرة منه لانقاذ مشروع التوريث بمساعدة والدته. كان مبارك مضغوطا من ابن انتظر سنوات حلم تنصيبه رئيسا بعد أن مارسه واقعا، ومن سيدة عصبية عنيدة ظلت متمسكة للثانية الأخيرة بمشروعها الأثير بأن تظل سيدة القصر.. زوجة الرئيس وأم الوريث. [email protected]