قال معهد بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية، إن 6 معسكرات أيديولوجية تتصارع في منطقة الشرق الأوسط، منها 4 معسكرات رئيسية، ومعسكرين ينتميان إلى الماضي، لكنهما ليسا منخرطين في الخلاف الحقيقي على السلطة في الوقت الحاضر. ونقل موقع worldinarabic، تحليلا نشره نشر معهد بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية للعقيد (احتياط) الدكتور عيران ليرمان, أحد كبار الباحثين في المركز، والنائب السابق للسياسة الخارجية والشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي، حول ما وصفه ب"لعبة المعسكرات" في الشرق الأوسط. ووفق تحليل "ليرمان" ينقسم الشرق الأوسط اليوم إلى أربعةِ معسكراتٍ مُتناحِرَة: إيران، مع وكلائها وحلفائها. السلفيون الجهاديون، وهو الاتجاه الذي يهيمن عليه حاليا تنظيم الدولة. حركة الإخوان المسلمين، وتجلياتها المختلفة، بما في ذلك حماس، بدعمٍ من قطر وأردوغان تركيا. "قوى الاستقرار"؛ وهم كل من يَخشى صعود المعسكرات الثلاث السابقة، ويقاومه، ويضم إسرائيل باعتبارها فاعلا مهمًا. خارطة الدراما الإقليمية قدَّمت الأيام القليلة الأولى من عام 2016 دليلا جديدًا على الديناميكيات المتغيرة في ميزان القوى الإقليمي. وكان تصاعد حدة التوتر بين السعودية وإيران هو الجانب الأكثر بروزًا في دراما أكبر تتكشف الآن عبر مشهد أوسع يمتد من اليمن إلى سوريا ومن الخليج إلى ليبيا. ولأن انهيار الدول كشف أن أداة التحليل التقليدية، المستمدة من المدرسة الواقعية- المصلحة الوطنية raison d'etat –غير موضوعية؛ فمن الضروري رسم خريطة الصراعات الإقليمية- التي جلبت دمارا هائلا وتسببت في سفك الدماء والحرمان والهجرة الجماعية والتدخل الأجنبي- على طول خطوط الصدع الأيديولوجية التي تقسم المجموعات الساعية الآن للهيمنة على مستقبل المنطقة. لفهمٍ أفضل وإستراتيجية متماسكة عندما نفذ السعوديون حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي، وثار غضب إيران الطائفي، كان من السهولة بمكان تبسيط الاضطرابات الحالية في ثوب الانقسام الطائفي الأصلي بين الشيعة والسنة، والذي مزق العالم الإسلامي منذ عهد علي بن أبي طالب في القرن السابع الهجري. بيدَ أن المواجهة الحالية تستحق تحليلا أكثر دقة، من منظورٍ يتجنب وضع كافة المسلمين، أو كل الشيعة أو السنة، في سلة واحدة. وتعكس المنافسات التي اشتعلت بعنف في أنحاء المنطقة بصمة الأولويات الأيديولوجية الحديثة، التي هي في الوقت ذاته متشابكة مع الموضوعات التقليدية: السياسة الثورية لشمولية القرن العشرين التي نُسِجَت على شكل المواقف الدينية الرئيسية، أو بالأحرى ارتدت ثوبها. ولا تقتصر فائدة هذا التمييز على الفهم الأفضل للمشاهد الناشئة، بل تتعداها إلى صياغة استراتيجيات متماسكة لدحر التحدي الشمولي، ثم هزيمته في نهاية المطاف. 4-6 معسكرات أيديولجية وبناء عليه، يمكننا التعرٌف في الشرق الأوسط بمفهومه الأوسع- شمال أفريقيا والشام وحوض البحر الأحمر والخليج- ليس فقط على معسكرين طائفيين، ولكن على أربعة معسكرات أيديولوجية. (ويمكن للمرء أن يضيف معسكرًا خامسًا، يضم المعسكرات الاشتراكية القومية العلمانية التي هيمنت يومًا على السياسة العربية، ومعسكرًا سادسًا يتكون من الشباب الليبرالي الواعد الذي لعب مثل هذا الدور البارز في إطلاق العنان للاضطرابات السياسية بادئ الأمر. لكن هاتين القوتين ينتميان إلى الماضي، وربما المستقبل، بالترتيب. لكنهما ليسا منخرطين في الخلاف الحقيقي على السلطة في الوقت الحاضر). الإسلاميون في مواجهة قوى الاستقرار ومن بين القوى المنخرطة في هذا الخلاف، تنتمي ثلاثة معسكرات أو مجموعات إلى الفئة العامة المكوَّنة من الشموليين الإسلاميين: (1) إيران، مع وكلائها وحلفائها. (2) السلفيون الجهاديون، وهو الاتجاه الذي يهيمن عليه حاليا تنظيم الدولة. (3) حركة الإخوان المسلمين، وتجلياتها المختلفة، بما في ذلك حماس، بدعمٍ من قطر وأردوغان تركيا. (وهي المجموعات التي وصفها رئيس الوزراء نتنياهو بأنها "فروعٌ تتدلى من ذات الشجرة السامة"). أما المعسكر الرابع، غير منضبط التعريف، فينتظم كل من يخشى صعود المعسكرات الثلاث السابقة ويقاومها، ويمكن أن نطلق عليهم "قوى الاستقرار"، وتعتبر إسرائيل فاعلا مهمًا في هذا المعسكر. ترتيب العداءات ما نشهده هو تحوُّلٌ في موازين القوة المعقدة بين هذه المسكرات الأربعة، التي تصطبغ علاقتها الأساسية بلون الحرب- حتى لو وجدت في بعض الأحيان إمكانية للتعاون عبر الانقسام الأيديولوجي، حتى ضد من يُعتبرون أعداء أكثر خطورة. وتعكس حدة تصاعد الخلاف الإيراني-السعودي حقيقة أن المعسكر الإيراني من جهة، وقوى الاستقرار من جهة أخرى، يرى كلا منهما الآخر حتى الآن المنافس المهيمن، ثم يأتي تنظيم الدولة وجماعة الإخوان في المرتبة الثانية. هيمنة إيران ويبدو أن هذا ترك النظام الإيرانيّ، وشبكته الواسعة من الوكلاء والحلفاء والعملاء في وضعٍ يُمَكِّنهم من تحويل سنوات الاضطراب لصالحهم. ومع تحمُّل الروس الآن بعض عبء منع انهيار سيطرة النظام الهش على ما تبقى من سوريا، يجد المعسكر الإيراني نفسه حرًا في استئناف مسيرة الهيمنة الإقليمية. وهذا صحيحٌ حتى قبل أن تُرفَع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وتبدأ الصناديق بالتدفق على طهران. واستنادًا إلى هذه التطورات، تباهى أحد قادة الحرس الثوري الإيرانيّ بسيطرتهم على أربع عواصم عربية- بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء- واثنتين من ممرات الاختناق البحرية في العالم- مضيق هرمز وباب المندب. ويمكن أن يُضاف إلى هذه القائمة المخيفة شبكة المخربين في الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية، الذين كانت أنشطتهم هي المحرك الأساسي لرد السعودية العنيف. وفي البحر المتوسط، بالإضافة إلى سيطرة الإيرانيين على لبنان من خلال حزب الله، وهو الفرع المملوك بالكامل لطهران، وسيطرتهم على ما تبقى من سوريا في قبضة الأسد، لدى إيرن أيضًا وكيلا في غزة يُعرَف باسم حركة الجهاد الإسلامي، فضلا عن علاقتها التعاونية مع حماس (رغم انتماء الأخيرة إلى معسكر الإخوان المسلمين). إرث أوباما التاريخيّ أما إدارة أوباما، التي تعتبر الاتفاق النووي إرثها التاريخيّ الرئيس، فاكتفت بالتشدُّق حول ضرورة مواجهة الطموحات الإيرانية الإقليمية. ومع تحول التركيز الدولي إلى قتال تنظيم الدولة، ليس من المستغرب أن يكون لدى السعوديين وغيرهم في المنطقة انطباعٌ مفاده أن أوباما وقادة الغرب الآخرين مستعدون لاعتبار إيران جزءًا من الحل وليس ضلعا رئيسيًا في المشكلة. فبعد كل شيء، كانت المليشيات الشيعية المدربة إيرانيًا ذات أهمية متزايدة في المعركة ضد تنظيم الدولة في العراق، وكانت طهران مستعدة لمجاراة رقصة واشنطن على مسرح محاربة "الإرهابيين". (هذا بطبيعة الحال يمثل ادعاءً مفاجئًا من ينبوع الإرهاب الأول في العالم. بيدَ أن الأكثر إثارة للدهشة هو رغبة البعض في واشنطن في قبول قبول الاحتجاجات الإيرانية على علاًّتها). وربما ما يحرك الديناميكيات الجديدة في "لعبة المعسكرات" أكثر من أي عامل آخر، هو الشعور بأن الولاياتالمتحدة لم تعد جديرة بالاعتماد عليها للوقوف بفعالية إلى جانب قوى الاستقرار في المنطقة. التحالف السنيّ وحتى الآن شكلت السعودية تحالف سنيًا واسعا تتعهد قواته بمحاربة الإرهاب. وهو في الواقع يخوض حربًا مستمرة، وأحيانا وحشية، ضد انتفاضة الحوثيين في اليمن (التي تنظر إليها الرياض باعتبارها خنجرا شيعيًا يستهدف الحرمين الشريفين في مهد الإسلام). كما قُدِّمَت حوافز كافية (ومورست ضغوط) للتأثير على نظام البشير في السودان، وتُرجِمَت في نهاية المطاف إلى قرار دراماتيكيّ بالانشقاق عن المعسكر الإيرانيّ، والانطواء تحت اللواء الذي تقوده السعودية في اليمن، والانضمام إلى العديد من الدول العربية في قطع علاقاتها مع طهران، راعيتها السابقة. واقع جديد الأهم من ذلك، أن تركيا- التي تواجه احتكاكا متصاعدًا مع روسيا بشأن سوريا، وتحتاج إلى مراجعةٍ عامة لأولوياتها، بالنظر إلى النتائج السيئة للغاية التي تمخضت عنها التجارب السابقة- حددت أن مصلحتها في الارتباط الوثيق مع السعوديين ومعسكرهم. ومن المثير للاهتمام في هذا السياق أن أنقرة أثارت علنًا اقتراح تحسين العلاقات مع إسرائيل. وهكذا أصبح هذا الواقع الجديد واضحًا جدًا لإجبار تركيا وقطر على تعزيز تعاونهما الثنائي، بما في ذلك الخطط غير المسبوقة بتمركز قوات تركية في قطر، فضلا عن إعادة النظر في أولوياتهما على رقعة اللعبة الإقليمية. تلاقي المصالح وسيكون من السابق لأوانه، ومجافيًا للحكمة في هذه المرحلة، الحديث عن ظهور معسكر قومي ومتماسك، يعمل بتعاون وثيق. ذلك أن ثمة مواطن خلاف جدية بين السعوديين ومصر بشأن سوريا. كما شهدت العلاقة الإسرائيلية مع نظام عباس في رام الله، رغم وجهات النظر المشتركة بشأن التحديات الإقليمية الأوسع، تراجعًا حادًا خلال الأشهر الأخيرة تحت وطأة لجوء الفلسطينيين إلى إطلاق موجة جديدة من الإرهاب كأداة سياسية. لكن تحوُّل تركيا لا يزال حتى الآن بحاجة إلى أن ينضج، ونوايا أردوغان (والتزامه المستمر تجاه حماس) لا يزال يثير الشكوك لدى إسرائيل كما القاهرة. لكن نظرا للصعود المحتمل للقوة الإيرانية، فإن التحالفات التي كانت حتى وقتٍ قريب تعتبر مستبعدة يمكن أن تصبح أحجار الأساس في بناء حقائق جديدة. وهذا بالضبط ما حدث بالفعل في شرق البحر المتوسط، حينما تلاحمت مصالح مصر والأردن وإسرائيل وقبرص، وكذلك إيطاليا ودول أوروبية أخرى أدركت مخاطر الوضع الراهن.