فوضي إستخدام المضادات الحيوية عندنا أصبحت ظاهرة خطيرة، حيث نسبة كبيرة من المصريين يستخدمونه دون إستشارة الطبيب المختص، وحتي بعض الأطباء ولكي يضمنوا إمساك العصا من المنتصف قد يصفون جرعات من المضادات الحيوية بلا داعي إعتقاداً منهم أنها إن لم تقضي علي الميكروب فليس لها أي ضرر يُذكر. حديثاً أظهر العلماء المتخصصين أن الإستخدام المفرط وغير الأمثل للمضادات الحيوية للتغلب علي الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي خاصة الحادة عند نزلات البرد تساهم بشكل ملحوظ في ظهور وإنتشار الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية ومن ضمن هذه الميكروبات "بكتريا سوبر" لا يُجدي عند علاجها أية مضادات حيوية معروفة حتي الآن، ضحايا تلك الميكروبات السوبر حوالي 25 ألف إنسان سنوياً في أوربا حسب أحدث التقارير العلمية، وحسب التقديرات العلمية فإنها قد تتخطي 10 مليون بحلول العام 2050، بالإضافة إلي الخسارة المادية التي تقدر بحوالي مائة ترليون دولار. لذلك وجه العلماء نصيحة للأطباء بعدم بترشيد وصف جرعات المضادات الحيوية لمرضاهم أو عدم وصفها خاصة لمرضي نزلات البرد، الزكام والسعال إلا إذا صاحبها مضاعفات تستدعي العلاج بالمضادات الحيوية. الإفراط في إستخدام المضادات الحيوية حتماً سوف تقضي علي الميكروبات النافعة الموجودة بالجسم والتي تقدر بالمليارات لأنها-أي المضادات الحيوية-لا تفرق غالباً في تأثيرها بين الميكروبات الضارة من النافعة وحيث أن الأخيرة تقوم بعدة فوائد للجسم منها دورها عملية الهضم، أيضاً تعمل علي حفظ التوازن المحمود بين نسب الميكروبات بعملية التنافس علي المواد الغذائية داخل الجسم بحيث تستحوذ عليها ولا تتركها متاحة سهلا للميكروبات الغيرمرغوب فيها، لذا فإن التأثير السلبي للمضادات الحيوية يؤدي إلي هدم تلك المنظومة وخط الدفاع الأول في الجسم ممهداً الطريق كي تغزوه الميكروبات الإنتهازية. يوصي العلماء والباحثين بضرورة إستكمال المريض لجرعة المضاد الحيوي عندما يصفه الطبيب المتخصص، لأن بعض المرضي عندما تختفي أعراض المرض ولم تُستكمل جرعة المضاد الحيوي، فإن بعض من الميكروب المتبقي-حتي ولو قليل- قادرة علي الإصابة وقد ترتد بشكل أكثر ضراوة عن ذي قبل حيث قدرة هذا الميكروب علي تعديل وتطوير وسائل المقاومة للمضاد الحيوي فتخرج سلالات جديدة قادرة علي تخطي كل خطوط الدفاع لدي الإنسان ولا ينفع معها عند مقاومتها أي من المضادات الحيوية المعروفة. نشر العلماء الصينيون بحثاً في مجلة "لانسيت" خلال نوفمبر 2015، أعلنوا فيه عن ظهور جين جديد في بعض المرضي من الناس وبعض الحيوانات مقاوم للمضادات الحيوية-خاصة مجموعة البوليميكسينات- أطلقوا عليه إسم "MCR-1"، يُذكر أن تلك المجموعة من المضادات الحيوية كان يُعتقد أن الميكروبات القادرة علي مقاومتها لا تنقل صفة المقاومة هذه إلي أنواع أخري من الميكروبات، إلا أنهم إكتشفوا أن هذا الجين الجديد قادر علي نسخ نفسه بسهولة والإنتشار خلال أنواع عديدة من البكتريا خاصة التي تسبب أمراضاً خطيرة للأنسان أو الحيوان. تلك النتائج نشأت-حسب تقدير العلماء-بسبب الإفراط في إستخدام المضادات الحيوية. ومع ظهور هذا الجين الجديد أعلن العلماء عن بدء حِقبة جديدة تعكس غياب المضادات الحيوية التي تقضي علي الميكروبات الممرضة مما يستدعي الترشيد في إستخدام المضادات الحيوية وبالأخص "البوليميكسينات" في كل أنحاء العالم باإضافة الي تتبع وجود هذا الجين الجديد بإستمرار سواء في الإنسان أو الحيوان لمعرفة تطوره ونتائج ظهوره التي قد تكون كارثية. كانت رئيسة منظمة الصحة العالمية "مارجريت تشان" قد ناشدت الدول الأعضاء في المنظمة التعاون عالمياً للتخلص من العقبات التي تعوق صناعة أو تطوير المضادات الحيوية حيث وحسب قولها أن مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية تفوق قدرة أي منظمة أو هيئة أو حتي دولة بمفردها. وكانت التحذيرات من الهيئات البحثية والطبية المتخصصة في العالم قد تكررت التي مفادها أن العالم قد إقترب من ما يسمي "عصر ما بعد المضادات الحيوية"، وتم التركيز علي مخاطر وجود ميكروبات مقاومة للمضادات الحيوية علي العمليات الجراحية وأمراض السرطان التي تعتمد في علاجها علي المضادات الحيوية. خلال المنتدي الإقتصادي العالمي المنعقد في دافوس يناير 2016 فإن أكثر من 80 شركة أدوية قد طالبت الحكومات العمل علي إيجاد سبل جديدة لتمويل أبحاث تطوير تكنولوجيا صناعة المضادات الحيوية والسعي لإبتكار أنواع جديدة. نظراً لأن نسبة كبيرة ممن يستخدمون المضادات الحيوية قد تكون إصابتهم فيروسية وهي مما لا يفيد معها إستخدام أي من المضادات الحيوية المعروفة، إنما يقاومها تلك الإصابة بعض أنواع من المضادات الفيروسية والتي تختلف آلية عملها عن المضادات الحيوية. والمشكلة في بعض الأمراض التي قد تصيب الإنسان أنه يصعب التمييز بين المرض البكتيري والفيروسي إلا بالتحليل أو خبرة كافية لدي الأطباء، يذكر أن أكثر من 262.5 مليون من جرعات المضادات الحيوية التي توصف سنوياً من قبل الأطباء في الولاياتالمتحدةالأمريكية يذهب نصفها هباءاً لأنها إستُخدمت بغير ضرورة وذلك حسب تقرير قامت به "مراكز الوقاية والعلاج في أمريكا". للتغلب علي تلك المشكلة إبتكر العلماء حديثاً-يناير 2106-إختبار يعتمد علي أخذ عينة من دم المريض وغمس شريط فيها مثل التي تُجري لقياس السكر في الدم أو البول، حيث يُظهر التحليل عرض "بروفايل" لحزم بروتينية تخص البكتريا أو أخري تخص الفيروسات بدقة تصل الي 87% بحيث يمكن أن يقوم المريض بهذا الإختبار بمفرده، إلا أن المشكلة في أن النتيجة تستغرق 10 ساعات ويجري العمل الآن كي تظهر النتيجة خلال ساعة واحدة، ذلك حسب ما ذكره البروفيسور "كريستوفر وودز" من المركز الوراثي بمركز الطب ب"ديوك Duke Medicine " الذي قام بهذا البحث مع مساعديه ونشروه في المجلة العلمية: “Science Translational Medicine” العديد من الكائنات الدقيقة مثل البكتريا والفطريات والبروتوزوا تميل لمقاومة تأثير المضادات الحيوية لعدة أسباب فسرها العلماء كما يلي: أسباب بيولوجية مثل: أولاً: الطفرات حيث يتم تخليق جينات جديدة بواسطة الميكروب نتيجة تعرضها المستمر للمضادات الحيوية في محاولة من قبل الميكروب لمقاومة تأثير المضاد الحيوي. ثانياً: الضغط الإنتخابي حيث ان الميكروبات التي تُظهر مقاومة ويتكون بها الجين المقاوم هي التي تبقي وتستمر وتتكاثر وتسود عكس السلالات البكتيرية الحساسة للمضاد الحيوي والتي تموت وتختفي. ثالثاً: الإنتقال الجيني حيث سهولة انتقال جينات المقاومة خلال الميكروبات بعضها البعض. أسباب مجتمعية منها: أولاً: التشخيص غير الكافي للميكروب مما يجعل الطبيب-بشكل غير صحيح-يُعطي للمريض نوع غير مناسب من المضادات الحيوية لايقاوم أويقتل البكتريا، أو يُعطي المريض مضاد حيوي واسع المفعول تصلح لأنواع عديدة من البكتريا الأمر الذي يحفز ويعمل في اتجاه تكوين في الميكروب-المسبب للمرض- جينات لمقاومة تلك المضادات الحيوية. ثانياً: الإستخدام غير الكافي أو عدم تكملة جرعة المضاد الحيوي من قبل المريض مما يجعل من الميكروبات التي لم تكن كمية وحدات المضاد الحيوي كافية لقتلها تبقي حية بل تصبح أكثر شراسة وأكثر مقاومة للمضاد الحيوي. ثالثاً: الإستخدام الغير أمثل للمضادات الحيوية في مجال الزراعة، حيث تستخدم بعض المضادات الحيوية كإضافات لغذاء الحيوانات مما يجعلها فرصة كبيرة لظهور ميكروبات مقاومة لتلك المضادات الحيوية بنسبة عالية.