نظريا، فإن تشكيل تحالف من 34 دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب خطوة جيدة، وأهمية هذه الخطوة في التالي: 1 - أن الدول الإسلامية تتصدى بشكل شبه جماعي للإرهاب الذي يرفع شعارات إسلامية، ويهدد كيانات الدول، ومجتمعاتها، أكثر من أي وقت مضى، عبر ضرباته التي تتزايد، وتنظيماته التي تتوالد كالفطر. 2 - قطع الطريق على أي قوى دولية، سواء كانت دول، أو منظمات، أو جماعات سياسية عنصرية تتعمد المغالطة، وتسعى للربط بين الإسلام والإرهاب. 3 - توجيه رسالة للشعوب غير المسلمة في العالم بأن المسلمين ليسوا إرهابيين، بل شرائح محدودة جدا هى من تنزع للتطرف، وأن مواجهتهم تتم بأيدي المسلمين أنفسهم، وذلك لمحاولة محاصرة ظاهرة الاسلاموفوبيا والتخفيف من مستوى الكراهية لعموم المسلمين الذي يتزايد في العالم ضد الجاليات المسلمة، وضد كل ما هو إسلامي. 4 - سحب البساط قليلا من تحت أقدام التحالفات الدولية، والدول التي تضرب في المنطقة العربية بذريعة محاربة الإرهاب، وهى لا تحارب الإرهاب جديا، فالتحالف الذي تقوده أمريكا ضد داعش في سورياوالعراق لم يحقق نتائج مهمة طوال أكثر من عام، بل يتعرض المدنيون لمخاطر كبيرة. وهناك روسيا التي تدخلت في سوريا عسكريا بذريعة محاربة داعش أيضا، لكنها تقتل المدنيين، وتستهدف المعارضة المعترف بها دوليا لصالح الأسد وترجيح كفته، هذا التواجد الأجنبي يتخذ من مواجهة التنظيمات المتطرفة مبررا لا يستطيع أحد معارضته، لكنه يستهدف البقاء في المنطقة، وفرض وجوده فيها، واستنزافها، وربما فرض خرائط التقسيم لدولها الذي يجري الحديث عنه، وتقديم خدمات جليلة لإسرائيل التي تبقى محصنة ولا تقترب منها عناصر التطرف، وتتعاظم قدراتها لتصير القوة العظمى الإقليمية المتسيدة، وفي ظل الانشغال العربي والإسلامي والدولي بحرب الإرهاب الجديدة فإنها تقوم بإنهاء ما تبقى من القضية الفلسطينية، بمساعدة الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم. لكن عمليا، ليس هناك معلومات تفصيلية حتى الساعة تشرح الآليات السياسية والفنية والعسكرية والتنظيمية التي سيعمل وفقها هذا التحالف. هناك الكثير من الأسئلة التي تنتظر إجابات، من مثل هل تملك الدول المشاركة في التحالف، ومعظمها محدودة القدرات عسكريا، الامكانيات لتشكيل قوة عسكرية ضاربة تتمكن من التدخل في المناطق المستهدفة؟، وهل سيكون التدخل مقتصرا على ضربات جوية فقط، أم ستكون هناك قوات برية؟، وكيف سيعمل هذا التحالف وينسق عملياته مع التحالفات والدول الأخرى التي تنفذ عمليا ضربات مثل التحالف الذي تقوده أمريكا، وكذلك روسيا؟، وما هي الأهداف الجديدة التي سيضربها هذا التحالف غير الأهداف التي يقصفها الآخرون الذين يسيطرون على أجواء المنطقة خصوصا في سورياوالعراق؟، وهل هناك بنك جماعات وتنظيمات إرهابية حددها التحالف ويستهدفها؟، وأين ستكون مسارح عملياته؟، هل في كل مكان يتواجد فيه تنظيم متطرف؟، ومن أين القدرات والامكانيات لتعقب التنظيمات المختلفة في طول العالم الإسلامي وعرضه؟، وماذا عن إرهاب الميليشيات والمرتزقة المرتبطين بنظام الأسد، هل سيتم استهدافها؟، وماذا عن الجماعات المذهبية المتطرفة في العراق هل ستكون ضمن قائمة التنظيمات؟، وإذا كانت بعض الدول في التحالف تحظى بحماية أمريكية غربية، فهل ستكون هى نفسها قادرة على القيام بمهمات كبيرة وثقيلة؟، وهل هذا التحالف الإسلامي سيطوي موضوع القوة العربية المشتركة ويدخلها طور التأجيل والجمود؟. هذه أسئلة نطرحها في سياق تجربة التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وصالح في اليمن وعمره اليوم 8 أشهر، ومع ذلك مازالت الحرب الجوية والبرية مستمرة، ولم يتم تحرير اليمن عسكريا، بل الأمل معقود على حل سياسي، أي أن العملية لم تكن سهلة ولا سريعة، بل شديدة التعقيد، فمابالنا بتنظيمات موجوده في سورياوالعراق، وفي بلدان عربية وإسلامية عديدة. على العموم مجرد التفكير في هذا التحالف أمر جيد كما قلنا، وإخراجه للوجود خطوة أخرى جيدة، وتنسيق عمله داخليا ثم تنسيق عمله مع التحالفات والقوى الدولية الأخرى ضروري، وسيكون الحكم عليه بعد أن يخرج للوجود. لكن مع ذلك من المهم أن نقول التالي: 1- كثير من الدول الإسلامية المشاركة في هذا التحالف، أو غير المشاركة، تتحمل جانبا من المسؤولية عن توفير أسباب نمو وترعرع التطرف. 2 - معظم الحكومات الإسلامية غير ديمقراطية، تستبد بالسلطة، وتلغي المعارضة، وتنتهك الحريات وحقوق الإنسان. 3 - هناك شرائح طبقية محدودة في البلدان الإسلامية تتحالف لاحتكار السلطة والثروة والنفوذ، بينما غالبية الشعوب تسقط في هوة الفقر والمرض والجهل والتهميش. 4 – سياسات الحكومات الإسلامية الاقتصادية والاجتماعية متخبطة وتفتقد للعدالة الاجتماعية. 3 - يسود في البلدان الإسلامية الفساد والمحسوبية والتمييز، وعدم المساواة، والمواطنة غير المكتملة. محاربة الإرهاب مطلوبة، لكنها لا تكون بالقوة العسكرية والأمنية فقط، إنما بإزالة كل أسباب نشوء التطرف من خلال إقامة دولة القانون والعدالة والديمقراطية والحريات وحماية وتعزيز حقوق الإنسان وكرامته، وبث الأمل في أن الغد سيكون أفضل. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.