لا حول ولا قوة إلا بالله ذكر طيب، عظيم المعنى، فيه من التوحيد والتوقير لله عز وجل، وفيه من الاستعانة بالله والتوكل عليه والاستسلام له.. لا حول، ولا قوة إلا بالله، كنز من كنوز الجنّة،وباب من أبوابها، أنزلها الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلمه إياها، ومنّ عليه وعلى أمّته بها، وقد حث صلى الله عليه وسلم على الإكثار من قولها في أحاديث عدة لتحصيل ثوابها النفيس المدّخر في الجنّة..
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله بن قيس، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟، فقلت: بلى يا رسول الله.. قال: قل: لا حول، ولا قوة إلا بالله) متفق عليه.
وعن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يخدمه قال: فمر بي النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد صليت، فضربني برجله وقال: ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟، قلت: بلى، قال: لا حول، ولا قوة إلا بالله)، رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وعن عبادة بن الصامت، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إلاه إلا الله، والله أكبر، ولا حول، ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا؛ أُستُجيبَ له، فإن توضأ وصلى، قبلت صلاته) رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (من قال – يعني إذا خرج من بيته : بسم الله، توكلت على الله، ولا حول، ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت، ووقيت، وتنحى عنه الشيطان). رواه الترمذي، وصححه الألباني. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ألا أعلّمك – أو قال – ألا أدُلُّك على كلمة من تحت العرش، من كنز الجنّة؟ تقول: لا حول، ولا قوّة إلاّ بالله؛ فيقول الله عزّ وجلّ: أسلم عبدي واسْتسلم ) رواه الحاكم.
قال النووي، رحمه الله: ( قال العلماء: سبب ذلك أنّها كلمة اسْتسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعْتراف بالإذعان له، وأنّه لا صانع غيره، ولا رادّ لأمره، وأنّ العبد لا يملك شيئًا من الأمر، ومعنى الكنز هنا: أنّه ثواب مدّخر في الجنّة، وهو ثواب نفيس، كما أنّ الكنز أنفس أموالكم). وقال ابن رجب، رحمه الله: (فإنّ المعنى: لا تحوّل للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلاّ بالله، وهذه كلمة عظيمة، وهي كنز من كنوز الجنّة).
وقال ابن القيّم، رحمه الله: (لمّا كان الكنز هو المال النفيس المجتمع الذي يُخفَى على أكثر النّاس، وكان هذا شأن هذه الكلمة، كانت كنزًا من كنوز الجنة، فأوتيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من كنز تحت العرش، وكان قائلها أسلم واستسلم لمن أزمّت الأمور بيديه، وفوّض أمره إليه). وقال: (هذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمّل المشاق، والدخول على الملوك ومن يُخاف، وركوب الأهوال). وبيّن رحمه الله في زاد المعاد أنّ لهذه الكلمة تأثيراً قوياً في دفع داء الهم والغم والحزن. قال: لما فيها من كمال التفويض والتبري من الحول والقوة إلاّ به، وتسليم الأمر كلّه له، وعدم منازعته في شيء منه، وعموم ذلك لكل تحول من حال إلى حال في العالم العلوي والسفلي، والقوة على ذلك التحول، وأنّ ذلك بالله وحده، فلا يقوم لهذه الكلمة شيء). وقال شيخ الإسلام، ابن تيمية، رحمه الله: (هذه الكلمة بها تحمل الأثقال، وتكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال). وقال: (هذه الكلمة كلمة استعانة، لا كلمة اسْترجاع، وكثير من النّاس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعًا لا صبراً).