يبدو أنه لم يكن أمام تركيا سوى التحرك السريع لاحتواء غضب مواطنيها الأكراد على إثر الغارة الجوية التي أسفرت عن مقتل 35 منهم بالخطأ في 29 ديسمبر, وذلك لتفويت الفرصة على اصطياد إسرائيل وكعادتها في المياه العكرة . وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سارع للإعلان عن إجراء تحقيق شامل في الغارة العسكرية على الحدود مع العراق التي أسفرت عن مقتل 35 مدنيا ظن الجيش خطأ أنهم متمردون أكراد. وبعد يومين من الهجوم الذي وصفته أكبر الأحزاب التركية الموالية للأكراد بأنه جريمة ضد الإنسانية, قال أردوغان إنه سيتم فحص التسجيلات المصورة للعملية الجوية وإرسال خبراء أدلة جنائية إلى المنطقة. وأضاف في مؤتمر صحفي في 31 ديسمبر "ستتخذ كل الخطوات الضرورية"، واصفا الحادث -الذي يعد من أكثر الحوادث فتكا بمدنيين أكراد في يوم واحد خلال الصراع المستمر منذ عقود- بأنه مؤسف ومحزن. وفيما أقر أردوغان بأن القتلى ليسوا "إرهابيين"، وقال إن حكومته ستقوم بما يتوجب عليها فعله في نهاية التحقيق, دافع أيضا عن الجيش التركي الذي يقاتل حزب العمال الكردستاني المحظور منذ العام 1984، قائلا إن الطائرات الحربية شنت الغارات بعد أن رصدت طائرات دون طيار ما بدا أنهم مقاتلون من الحزب. وأضاف "للأسف لم يكن من الممكن تحديد هوية الأشخاص، هذه الصور أظهرت مجموعة من 40 رجلا قرب الحدود، وبناء على ذلك قصفت طائراتنا من طراز إف 16 المنطقة ليتبين لاحقا أنهم من مهربي السجائر والوقود". وفي السياق ذاته , قدم الرئيس التركي عبد الله جول تعازيه لعائلات القتلى الأكراد، ووصف الحادث ب "المؤسف والمحزن", ونقلت وسائل الإعلام التركية عن غل قوله بعد صلاة الجمعة:"تألمنا بشدة لأننا واجهنا حادثاً مؤسفاً لم نرغب أبداً في التفكير به فكيف الحال أن يحصل معنا", مشددا على فتح تحقيق دقيق في الحادث. ويبدو أن ردود الأفعال الغاضبة على الحادث تؤكد ضرورة عدم الاكتفاء بالتصريحات السابقة والإعلان عن نتائج التحقيق على وجه السرعة, حيث شيعت العائلات الكردية ضحايا العملية وسط غضب متزايد، كما اندلعت اشتباكات يوم الجمعة الموافق 30 ديسمبر في عدة مدن كردية وفي إسطنبول. وبدوره, دعا أحد قياديي الحزب الشعب الكردي للانتفاض ضد النظام التركي, كما اتهم حزب العمال الكردستاني المحظور الجيش التركي بتعمد استهداف المدنيين, وقال إن ما وقع مجزرة مخطط لها. ونقلت قناة "الجزيرة" عن "الكردستاني" القول في بيان له :" على شعب كردستان وخاصة في هكاري وسيرناك (محافظتين مجاورتين للعراق) إظهار ردهم ضد هذه المجزرة والمطالبة عبر انتفاضهم بمحاسبة منفذيها". واتهم البيان الجيش التركي بتعمد استهداف المدنيين، قائلا :"إن هذه المجزرة ليست حادثا أو عملا لا إراديا, إنها مجزرة منظمة ومخططة". وتابع أن التجارة الحدودية تجري تحت مراقبة مراكز عسكرية عديدة منتشرة على طول الحدود، وأن هؤلاء الناس يتنقلون كل يوم تقريبا بدون أسلحة ومع دوابهم في هذه المنطقة. ورغم أن الاتهامات السابقة لم تكن الأولى من نوعها التي يوجهها "الكردستاني" للحكومة التركية, إلا أنها تهدد بقوة محاولات أردوغان للدخول في محادثات مع الأكراد من أجل صياغة دستور جديد للبلاد من المتوقع أن يتناول المظالم الكردية , خاصة بعد إعلان حزب السلام الديمقراطي الكردي أن المجموعة التي قتلت كانت أوقفت من قبل مجموعة تابعة لحرس الحدود وجهتهم للطريق الذي استهدف بالقصف. وبالإضافة إلى ما سبق, فإن الحادث يهدد بإثارة المزيد من العنف من جانب حزب العمال الكردستاني الذي يسعى لإقامة دولة كردية في جنوب شرقي تركيا, خاصة في ظل الاتهامات المتصاعدة له بتلقي الدعم من إسرائيل. ففي 12 نوفمبر الماضي، كشفت صحيفة "يني شفق" التركية عن العثور على حطام طائرة تجسس تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية في محافظة أضنة جنوبي تركيا. وتساءلت الصحيفة "هل تصاعد العمليات الإرهابية خلال الفترة الأخيرة ناجم عن التعاون الإسرائيلي مع منظمة حزب العمال الإرهابية لمحاولة الانتقام من تركيا على إثر الأزمة المشتعلة بين الطرفين؟". وانتهت "يني شفق" إلى القول إن العثور على حطام الطائرة التجسسية الإسرائيلية جنوبي تركيا لا يمكن أن يكون عن طريق الصدفة، فالأيام القادمة ستوضح حقيقة الدعم الإسرائيلي لحزب العمال الكردستاني المحظور. بل ولم يستبعد البعض أن تستغل إسرائيل الغارة التركية بالخطأ على مدنيين أكراد لتأليب الغرب ضد أنقرة من جهة واتخاذها ذريعة لتنفيذ مجزرة جديدة ضد غزة من جهة أخرى, ولذا فإنه يجب على أردوغان عمل ما بوسعه لاحتواء غضب الأكراد على وجه السرعة وتفويت الفرصة على مخططات الكيان الصهيوني.