كان لابد أن تأتينا شهادة بسوء النتائج من الخارج.. فقد بح صوتنا ونحن نتحدث عن ربيع الثورة الذى كان حلمًا وأصبح سرابا لأننا أضعنا بأنفسنا ودمرنا كل المعانى الجميلة للثورة واكتفينا بتبادل الاتهامات والانقسامات وتخوين كل منا للآخر حتى وصلنا إلى مأزق وطريق مسدود لا نملك خارطة للخروج منه، ولا نعلم ولا نستطيع أن نتنبأ بما يمكن أن يحدث غدًا أو بما يمكن أن يصل إليه الحال. ومجلة (فورين بوليسى) الأمريكية وجهت انتقادات حادة ولاذعة لكل أطراف اللعبة السياسية فى مصر من ثوار وإسلاميين وعسكريين.. وقالت إن الجميع يتحمل مسئولية المأزق الذى تشهده مصر. وقالت المجلة إن المصريين فى ورطة حيث لا توجد قيادة ولا قوة معنوية ولا أى قضية مشتركة، وليس هناك الكثير الذى يمكن لأى شخص القيام به لمساعدتهم..! وما خلصت إليه المجلة الأمريكية هو جملة ما نتحدث عنه منذ أن بدأت ملامح الثورة فى التراجع، ومنذ أن امتلأ المسرح السياسى بعشرات الانتهازيين من كل الأطراف الذين راحوا يتحدثون عن قضايا فرعية وشكلية، بينما الوطن يحترق وينهار من الداخل. والغريب والمؤلم أنه كلما كان هناك صوت يرتفع محذرًا من التداعيات الاقتصادية والأمنية السلبية فإن المزايدين ومدعى الوطنية كانوا ينقضون عليه انقضاضًا ويقولون إنها مجرد فزاعة كاذبة لإجهاض الثورة وإحداث حالة من الكراهية ضدها. ونسى هؤلاء جميعًا أن الثورة قد ضربت فى مقتل يوم وقع الثوار فى خطأ البقاء فى ميدان التحرير لفترة طويلة ولم يهدأ الثائر حتى تحقق الثورة أهدافها، وإنما استمر فى الثورة حتى على نفسه حتى وصل بها إلى مرحلة العنف والثأر التى أضاعت رصيد الثورة وتعاطفها الشعبى.. فلا أحد على سبيل المثال يملك إجابة مقنعة عن سبب وجود حواجز خرسانية فى شارع الشيخ ريحان، هل هى لمنع حرق وزارة الداخلية، أم هى لمنع الثوار من التقدم نحو الوزارة واحتلالها، وماذا يريد الثوار من وزارة الداخلية أو من مجلس الشعب أو من مجلس الوزراء، إنها منشآت يملكها الشعب ومؤسسات لخدمة الدولة فلماذا التجمع حولها.. ولماذا تعطيل العمل فيها.. وما جدوى ذلك وعلاقته بالثورة؟ إن تقرير (فورين بوليسى) يرد على التساؤل الذى طرحه الدكتور الجنزورى عن سبب عدم مساعدة العالم لمصر بعد الثورة رغم كافة الوعود والتعهدات بتقديم المساعدات المجزية.. لقد كان التقرير يقول بوضوح إنه لا جدوى من مساعدة بلد لا يريد أن يساعد نفسه.. وأن أى مساعدات فى ظل هذه الأجواء المضطربة لن تؤدى إلى تحسن الأوضاع والخروج من الأزمة.. إن العالم الذى انبهر بالثورة المصرية فى بداياتها، بدأ يسخر منا الآن ويتحدث عن رائحة البول التى تتصاعد من ميدان التحرير كما جاء فى تقرير (فورين بوليسى) ولكى يتوقف ذلك فإننا فى حاجة إلى عودة الوعى أولا.. فالواضح أننا جميعا قد أصبحنا مغيبين تماما عن الوعى وكله خائف من كله، والجميع أصبحوا بهلوانات فى لعبة التوازنات والمصالح والإمساك بالعصا من المنتصف.. وهذه هى الكارثة!