فيما يعد مفاجأة من العيار الثقيل، انتخب اليساري جيرمى كوربين، رئيسًا لحزب "العمال" في بريطانيا، وسط توقعات بتوليه رئاسة الوزراء خلال السنوات المقبلة؛ فيما يواجه الرجل حربًا شرسًا من قبل اللوبى الصهيونى ببريطانيا ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون، اللذين وصفا فوزه بأنه "تهديد للأمن القومى البريطاني"، نظرًا لمواقف الأخير المؤيدة لحق الفلسطينيين وترحيبه بالتواصل مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، و"حزب الله" اللبناني، ورفضه الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي. وقال كوربين، إنه لن يدعو الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بريطانيا إذا أصبح رئيسًا لها. وأضاف في مقابلة مع موقع "ميدل ميست آي"، أنه لن يدعو السيسي "لقلقه من أحكام الإعدام في مصر"، مشيرا إلى أن لديه مخاوف "من طريقة التعامل مع من كانوا جزءا من الحكومة السابقة لمرسي الذي كان منتخبا. وأوضح أن "هذا ليس حكما بشكل آخر على أداء الإخوان المسلمين، بل هو حكم على ما تعنيه الديمقراطية بالفعل"، على حد تعبيره. وتوقع الدكتور محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، فى حالة فوز كوربين برئاسة الحكومة البريطانية، أن "يسلك ملف مراجعة نشاط الإخوان فى بريطانيا الخاص الذي يشرف على إعداده السير جون جنكينز مسلكًا مختلفًا". وقال سودان (المقيم فى بريطانيا) فى تصريحات إلى ل"المصريون"، إن "السيد كوربين علاقته جيدة بالجاليات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين وسوف ينعكس ذلك بلا شك على هذه الملفات وغيرها"، مضيفًا: "كوربين مناصر لكل المنظمات المساندة للحريات والديمقراطية فى بريطانيا". وبشأن موقفه من النظام المصري، وتوقعات معاملة سياسية ودبلوماسية أكثر جفاءً فى حال رئاسته للحكومة، خاصة أنه استنكر فى وقت سابق الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسى، رأى سودان، أنه "بما لاشك فيه إذا نجح السيد كوربين فى أن يصبح رئيس وزراء بريطانيا القادم، هناك العديد من الأمور ستتغير منها العلاقة مع النظام الحالى فى مصر". وحول توقعاته لتداعيات نجاح كوربين؛ قال القيادى الإخوانى إن "التحديات أمام كوربين كثيرة خاصة الاقتصادية والأمنية؛ فلا أظن أنه سيعير الكثير من اهتمامه لهذا الملف، لكننى أظن أنه على الأقل سوف يوقف تصدير الأسلحة إلى النظام فى مصر، خاصة أن مصر والسعودية هما أكبر مستورد للأسلحة البريطانية فى العالم على قدر علمى". وأضاف: "لكن بما لا شك فيه أن مصلحة المواطن البريطانى خاصة الفقراء هم من يشغلون بال السيد كوربين وذلك طبقًا لتصريحاته، واستتباب الديمقراطية الحقيقية فى المملكة المتحدة هى كذلك على رأس أولوياته؛ لكننى أظن أن أمام كوربين العديد من التحديات خاصة الهيمنة الأمريكية ورجال المال والاقتصاد واهتماماتهم التى يمكن أن تتناقض مع برنامج كوربين". وشدد سودان فى الوقت ذاته على أن "كوربين الآن يتمتع بشعبية عالية من الجمهور البريطانى، وكذا من الجاليات المختلفة التى تعيش على الأراضى البريطانية". إلا أن الدكتور خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية، خالف سودان الرأي، موضحًا أن "فوز أقصى يسار حزب العمال البريطانى متمثلا فى جيريمى كوربين؛ قد يصحح ما فعله تونى بلير رئيس الوزراء الأسبق بالحزب وخلفه جوردون براون". وقلل من أهمية صدارة كوربين المشهد السياسي في بريطانيا، معربًا عن عدم تأييده التأطير الإعلامى للحدث فى صورة أن الرجل مناصرًا لقضايا العرب والمسلمين". وطالب سعيد فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، وسائل الإعلام المناهضة للنظام الحالي في مصر ب"ألا تفتح الآمال عريضة أمام المحبطين والمستضعفين فى مصر بأن "جيرمي" سيغير من سلوك بريطانيا تجاه قضايا الشرق الأوسط". وأشار سعيد إلى أن "أجندة الرجل تبدو إصلاحية داخلية بحتة وتحمل خططا اقتصادية أكثر انحيازا للعمال كتأميم السكك الحديدية وشراء العقارات والضرائب، بينما تحمل إشارات نحو التعددية والتسامح، وهذا شيء طبيعى جدا"، متابعا: "وعلى أى حال فأنا أتوقع أن يكون الرجل رئيسا لوزراء بريطانيا قريبا جدا، وليس فقط رئيسا لحزب العمال". وشدد سعيد على أن "التساؤل المهم هو متى ستعرف جماهير الدول المحشورة قهرا فى الدرجة الثالثة أنه لن يغنى عنها شيئا وصول حزب ما إلى الحكومة فى دول الغرب، أو تغلب جناح معين على آخر، وأنه لن يزيدهم العمال ولا المحافظين ولا كوربين أو بلير؛ إلا رهقا، وأن أى تغيير سيكون لحساب بلادهم ومصالحها ومستقبلها وأن مؤسسات الدولة هناك شفافة وطافية لا عميقة وغاطسة كالدول المستعمرة فكريا حتى الآن وإن تشابهتا". وفوز كوربين الملقب ب"نصير الفقراء" جاء كصاعقة لخصومه السياسيين، فحملات رؤساء الوزراء السابقين، أمثال تونى بلير، وجوردن بروان، لتشويه صورة الزعيم الجديد لم تؤت ثمارها. وقد استطاع الفوز على وزيرين سابقين من حزب العمال، هما إيفيت كوبر، وآندى برنام، كما هزم ليز كندال، التى تعتبر ممثلة للسياسات التى يؤيدها رئيس الوزراء السابق تونى بلير. وجيرمى كوربين، عضو فى مجلس العموم البريطانى (البرلمان) منذ عام 1983 عن إزلينغتون الشمالية، وهو عضو فى حملة التضامن مع فلسطين، وقد دعا إلى إشراك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله اللبنانى فى مفاوضات السلام فى الشرق الأوسط. وحول الوضع في مصر، قال إنه "يشعر بقلق بالغ بشأن الأوضاع فيها"، مشددًا: "لا تستطيع أن تسمى بلدًا، بلدًا ديمقراطيًا يسجن الناس ويسجن رئيسا منتخبًا ويصدر عليه أحكام إعدام". عُرف كوربين منذ دخوله مجلس العموم بنشاطه السياسى، حتى إنه تعرض للاعتقال عام 1984 خارج سفارة جنوب أفريقيا، لأنه كسر حظرًا للتظاهر، وذلك فى عهد الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا. وفى وقت سابق قال كوربين إنه إذا انتخب على رأس حزب العمال، فسيقدم اعتذارًا عن تدخل البريطانيين فى العراق، وإن الوقت حان لكى يقدم حزب العمال اعتذاراته للشعب البريطانى، لأنه جرّه إلى الحرب فى العراق، مستندًا إلى خدعة، وللشعب العراقى على العذابات التى ساهمنا فى إلحاقها به.