محافظ المنوفية يتفقد إنشاءات مدرسة العقيد بحري أحمد شاكر للمكفوفين    «الشيوخ» يرفع جلساته دون تحديد موعد الجلسات البرلمانية المقبلة    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: تفاصيل صادمة في واقعة المتهم بتعذيب زوجته.. و11 قرارًا لمجلس جامعة برج العرب    محمود عباس يصدر إعلانًا دستوريًا بتولي نائب الرئيس الفلسطيني مهام الرئيس «حال شغور المنصب»    القوات المسلحة تدفع بعدد من اللجان التجنيدية إلى جنوب سيناء لتسوية مواقف ذوي الهمم وكبار السن    التنسيقية تشارك في فعاليات الاحتفالية الكبرى "وطن السلام"    حملات للتفتيش والتدريب .. أبرز حصاد "العمل" بالمحافظات    عفت السادات وكيلا العلاقات الخارجية بالشيوخ: سنواصل دعم سياسات مصر الخارجية    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونائب الرئيس الفلسطيني    الكرملين: ترامب هو الذي تحدث عن تعليق قمة بودابست وبوتين أيّده    تجهيز 35 شاحنة إماراتية تمهيدًا لإدخالها إلى قطاع غزة    مستوطنون يهاجمون المزارعين ويسرقوا الزيتون شرق رام الله    روزا والبيت الأبيض!    مقتل شخصين وإصابة ثمانية آخرين جراء هجمات روسية على منطقة خاركيف    تشكيل برشلونة أمام ريال مدريد.. يامال أساسيًا    أبرزها المنصورة ضد بلدية المحلة.. مباريات الدور التمهيدي الرابع ل كأس مصر    ترتيبات خاصة لاستقبال ذوي الهمم وكبار السن في انتخابات الأهلي    أمن الجيزة يضبط عاطلين تعديا على سائق لسرقة سيارته بكرداسة    «برودة وشبورة».. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الاثنين 27-10-2025 وتوقعات درجات الحرارة    أموال المخدرات.. حبس المتهم بقتل زوجته بتعذيبها وصعقها بالكهرباء في الإسكندرية    تأجيل محاكمة 6 متهمين بخلية داعش المعادي لجلسة 15 ديسمبر    نقابة الصحفيين تعلن بدء تلقى طلبات الأعضاء الراغبين فى أداء فريضة الحج    وزير الخارجية يتابع استعدادات الوزارة لافتتاح المتحف المصري الكبير    تامر حبيب يهنئ منة شلبي وأحمد الجنايني بزواجهما    «بينشروا البهجة والتفاؤل».. 3 أبراج الأكثر سعادة    وزير الثقافة: نولي اهتماما كبيرا بتطوير أكاديمية الفنون ودعم طلابها    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    وزير الصحة يتفقد مجمع السويس الطبي ويوجه بسرعة الاستجابة لطلبات المواطنين    خالد عبدالغفار: قنا على رأس أولويات خطة الدولة للارتقاء بالبنية الصحية    مساعد وزير الثقافة يفتتح مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    مدير الكرة بالزمالك يحذر شيكو بانزا من إثارة غضب الجماهير    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    الحضور الرسميون فى مئوية روزاليوسف    الشوربجى: الصحافة القومية تسير على الطريق الصحيح    نائب محافظ المنوفية يتابع نسب إنجاز منظومة تقنين الأراضي أملاك الدولة    وزيرا الخارجية والعمل يناقشان الهجرة والعمالة المصرية بالخارج    منح العاملين بالقطاع الخاص إجازة رسمية السبت المقبل بمناسبة افتتاح المتحف    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مايوركا وليفانتي بالدوري الإسباني    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    محافظ الجيزة: صيانة شاملة للمسطحات الخضراء والأشجار والمزروعات بمحيط المتحف المصري الكبير    خاص| إجراءات قانونية ضد مدرسة خاصة استضافت مرشحة لعرض برنامجها الانتخابي في قنا    الأهلي يشكو حكم مباراة إيجل نوار ويطالب بإلغاء عقوبة جراديشار    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    الرياضية: اتحاد جدة يجهز لمعسكر خارجي مطول في فترة توقف كأس العرب    وزير المالية: «بنشتغل عند الناس.. وهدفنا تحسين حياتهم للأفضل»    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    محافظ المنوفية يقرر استبعاد مدير مستشفى سرس الليان وإحالة 84 عاملا للتحقيق    عمرو الليثي: "يجب أن نتحلى بالصبر والرضا ونثق في حكمة الله وقدرته"    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم 26 اكتوبر وأذكار الصباح    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    الكشف على 562 شخص خلال قافلة طبية بالظهير الصحراوى لمحافظة البحيرة    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    بحفل كامل العدد.. صابر الرباعي وسوما يقدمان ليلة طربية في ختام مهرجان الموسيقى العربية    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    ترامب يبدأ جولته الآسيوية بحركات راقصة في مطار ماليزيا    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يحكم الإمارات؟
نشر في المصريون يوم 27 - 09 - 2015

تُثير دولة الإمارات العربية المُتحدة جدلًا واسعًا على خلفية مواقفها من عدة قضايا إقليمية، بخاصة مع بدء انطلاق شرارة الربيع العربي، الذي اُعتبرت الإمارات واحدة من أشد الدول رفضًا له ووقوفًا ضده.
ومن جانبها نشرت صحيفة الساسة بوست تقريرا تفصيليا عن الإمارات ودورها فى المنطقة وحدودها جاء فيه أنه على الرغم من صغر حجمها الجُغرافي، وحداثة سنّها التاريخي كدولة مُوحّدة، تسعى الإمارات إلى خلق وجود مُؤثّر لها باتخاذها مواقف مُناطحة لقوى إقليمية جارة، كموقفها الأيديولوجي من المملكة العربية السعودية، بتبنيها دعمًا قويًا للصوفية ورموزها، في مُقابل السلفية والوهابية في السعودية.
الإمارات التي يُرجّح انتهاء نفطها، أو ما تبقى منه، بعد أقل من 50 عامًا، انفتحت على مجالات أُخرى لصناعة المال، لتنحت اسمها في صخر صناعة العقار والسياحة التجارية، ثُمّ ما لبثت أن أسست لسياسات خارجية تُحقق لها مزيدًا من النفوذ بعيدًا عن الوصاية السعودية التقليدية على منطقة الخليج، والمصرية الاعتبارية على المنطقة العربية؛ لنجدها ملاذًا آمنًا لعددٍ من الوجوه السياسية العربية المُثيرة للجدل بدورها، وربما الهاربة من أوطانها، كأحمد شفيق رئيس الوزراء المصري الأسبق، والمُرشح السابق لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012.
كذلك احتضنت الإمارات محمد دحلان، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، المُتهم في قضايا تعذيب وفساد، فضلًا عن اتهامه بالتورط في قضية اغتيال قياديّ حركة حماس محمود المبحوح.
وبالإضافة إلى موقفها الداعم بقوّة لعزل الجيش المصري للرئيس المدني المُنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو وما نتج عنه على مَر عامين، دخلت الإمارات أخيرًا كشريك أساسيّ في حرب الخليج في اليمن.
الإمارات العربية المُتحدة التي تُقاتل الحوثيين -المدعومين من إيران بشكل مُباشر- تقبع 3 جُزر لها تحت “الاحتلال” الإيراني منذ 1971 قبل يومين فقط من إعلان تأسيس دولة الإمارات المُتحدة، ورغم ذلك فإن العلاقات الاقتصادية الإماراتية-الإيرانية هي الأكبر في المنطقة، إن لم يكن في العالم، بميزان تُجاري قُدّر رسميًا بنحو 17 مليار دولار في أواخر 2014.
أمّا أحدث ما أثارته الإمارات من جدل، كان خبر وفاة راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم، الابن الأكبر لحاكم دُبي محمد بن راشد آل مكتوم، وذلك في 19 سبتمبر الجاري (2015). سبب ذلك أن الرواية الرسمية قالت إنّ سبب الوفاة أزمة قلبية مُفاجئة. لكنّ رواية أخرى كذّبت الرسمية، مُؤكدة أن نجل حاكم دبي لقيَ حتفه في قاعدة عسكرية باليمن، إثر تعرضها لقصف صاروخي.
تلك الرواية رددتها وسائل إعلام إيرانية غالبًا، وأكّد عليها أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا أسعد أبوخليل عن مصادر خاصة قال إنّها “شهود عيان”. ورغم عدم تأكدنا من صحتها، إلا أنّها تدفع نحو مزيد من الشكوك حول الحقيقة وراء وفاة نجل ابن حاكم دُبي، الذي يُشار إلى أنّه لم يكن يشغل منصب ولي العهد رغم أنه الابن الأكبر، وفي المُقابل شغل هذا المنصب أخوه الأصغر حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم.
هذا الحدث الأخير وغيره، يدفع للتساؤل عن الماهيّة السياسية التاريخية للإمارات العربية المُتحدة، وذلك بغرض توضيح صورة إدارة ملفات الحكم الداخلية والخارجية بالإمارات، انطلاقًا من سؤالين أساسيين، هما: من يحكم الإمارات؟ وهل هيَ حقًا دولةٌ واحدة؟
هل هيَ حقًا دولةٌ واحدة؟
رسميًا الإمارات العربية المتحدة دولة واحدة كونفدرالية تتكون من 7 إمارات ذاتية الحكم يرأسها شخصٌ واحد هو نفسه حاكم إمارة أبوظبي. لكنّ السياق التاريخي لتشكّل وحدة الإمارات السبع، والخلافات القديمة بين بعضها البعض، رُبما يكشف أكثر من كونها إمارات موحدة تحت علمٍ واحد.
حين يُقال إن التاريخ السياسي للإمارات حديثٌ نسبيًا، فهو قول صحيح، إذ كانت هذه المنطقة الجغرافية على مر تاريخها تابعةً سياسيًا لإقليم عُمان. كما عُرفت في بعض الفترات بساحل عُمان، ما كرّس لتوجه ساكنيها للأعمال المُرتبطة بالبحر، سواءً التجارة البحرية أو الصيد أو استخراج اللؤلؤ. وجميعها أعمال تعرضت لضربات قاسمة، مرّة على إثر اكتشاف ممر رأس الرجاء الصالح الذي أتاح للبرتغال والأوربيين عمومًا وجودًا عسكريًا في تلك المنطقة مع سيطرةٍ على التجارة البحرية بها. ومرّة على إثر اختراع اللؤلؤ الصناعي وانتشار استخدامه في بدايات القرن العشرين، ما أثر سلبًا على تجارة اللؤلؤ في تلك المنطقة.
ورغم أنّ التجارة البحرية في تلك المنطقة كانت مربحة لفترة طويلة من الزمن، لكنّ سُكانها لم ينعموا بها قدرًا كافيًا، بخاصة بعد الاستعمار البُرتغالي لها، فضلًا عن تبعيتها السياسية لحُكام عُمان وما يعنيه ذلك من ضرائب مدفوعة للحاكم.
عدم الاستقرار الاقتصادي هذا، الذي مُنيت به تلك المنطقة، كان له أثره الممتد حتى الآن في توجهاتها السياسية القلقة من جهة على المستوى الداخلي، والطامحة من جهة أخرى نحو مزيد من النفوذ الإقليمي المُنفرد. لذا لدى الإمارات العربية المُتحدة اهتمامٌ خاص بأن تكون قبلةً التقدّم والتطور والمشاريع الضخمة الإعلامية والفنية والثقافية فضلًا عن البحثية والعلمية، وربما أيضًا الدينية. سواء في منطقة الخليج العربي أو الشرق الأوسط بأكمله.
قبل أن تستقل قبائل الساحل العُماني-كل قبيلة بمساحة من الأرض أسمتها إمارة- كانت تابعة لدولة اليعاربة الإباضية. ومع انهيار دولة اليعاربة في النصف الأول من القرن الثامن عشر، بدأ نجم قبيلة القواسم في الظهور كرقم صعب في المنطقة بعد هجرتهم إلى الساحل العُماني من العراق وفقًا لأرجح المرويات التاريخية.
دور القواسم الذي بدأ باكرًا لم ينته للآن، فالقواسم الذين أسسوا آنذاك إمارة كبيرة في الساحل العُماني، مُكوّنة مما تُعرف الآن بالشارقة ورأس الخيمة وبندر لنجة التي باتت تابعة لإيران عام 1898؛ هم الأجداد المُباشرون لحكام الشارقة ورأس الخيمة إلى الآن، المنزوين عن الصورة السياسية الحديثة للإمارات على عكس تصدر كل من أبوظبي ودبي لها.
بعد عقود قليلة أصبحت فيه قبيلة القواسم قوة محسوبة في المنطقة، برز حلف بنو ياس الذي ضمّ عدة قبائل وعشائر أبرزها آل نهيان حُكام أبوظبي وآل مكتوم حُكام دُبي. ورُغم أن كليهما كانا في حلف واحد، إلا أن صراعًا مُضمرًا بينهما على النفوذ والسلطة لاتزال مواقفه مُترددة للآن بين الحين والآخر، بعد أن تفرّد آل نهيان بزعامة الحلف، واتخاذهم أبوظبي عاصمة له حتى انفصل آل مكتوم واستقلوا بحكم دبي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
وربما ليس أدل على الخلاف المكبوت بين حُكام الإمارتين، من اتخاذ دبي لرأس الخيمة التي يحكمها القواسم حليفًا لها قُبيل إعلان الدولة الاتحادية، فيما أنّ الصراع بين القواسم وآل نهيان تاريخي مُتجذّر كما سيتضح. بالإضافة لذلك فإن العديد من الروايات تُؤكد وجود خلاف على وتيرة مترددة بين العائلتين منذ الاتحاد وحتى الآن.
وعلى ما يبدو فإن الصراعات التي شهدتها تلك الفترة (ما بين منتصف القرن الثامن عشر وأواخر القرن التاسع عشر) ظلّت آثارها باقية للآن بشكل أو بآخر. على سبيل المثال الصراع الذي دار بين آل نهيان حُكام أبوظبي وآل ثاني حُكام قطر، والذي احتدم في القرن الأخير من القرن التاسع عشر. فهل يُعيد التاريخ نفسه؟ أم أنه لا يزال يُلقي بظلاله على العلاقات بين البلدين في العصر الحديث؟
على مساحة أقرب تكرّس العداء بين آل نهيان والقواسم حُكام الشارقة ورأس الخيمة، تأسست أبعاده على عدة عوامل، بينها حتمًا صراع النفوذ بسبب انقسام منطقة ساحل عُمان بينهما، ليسيطر القواسم على المناطق الساحلية الشرقية المُطلة على الخليج العربي، بينما يُسيطر آل نهيان زُعماء حلف بنو ياس على المناطق الداخلية من قلب الإمارات بحدودها الحالية وحتى الحدود مع عُمان أو ما كانت تُعرف بالدولة البوسعيدية الحاكمة حتى الآن حيث السلطان قابوس من سلالتها.
من عوامل الصراع أيضًا جنوح آل نهيان نحو توطيد العلاقات مع حُكام عُمان في سبيل الحفاظ على نفوذهم المُتاخم لنفوذ البوسعيديين، في حين كان القواسم بمثابة العدوّ التقليدي للبوسعيديين وقد دارت بينهما العديد من المعارك منذ خروج الأخيرين على دولة اليعاربة. فضلًا عن ذلك دخل آل نهيان في حلف ضمني مع البريطانيين، تحوّل لاحقًا لتعاون مُتبادَل. في الوقت نفسه خاض القواسم صراعات مريرة مع الإنجليز على حق إدارة التجارة البحرية في تلك المنطقة.
بعد أن بسطت بريطانيا نفوذها على الهند وسواحلها، راحت تفرض رسومًا جمركية على كل السفن التجارية العابرة لمضيق هرمز وامتداده في الخليج العربي وخليج عُمان، وفيما كانت التجارة البحرية هي مصدر الرزق الوحيد للقواسم وإماراتهم، دخلوا في صراع بحري مع الإنجليز، على إثره أطلق الإنجليز عليهم لقب القراصنة، وبات ساحلهم يُعرف بساحل القراصنة.
صراع النفوذ وتحالفاته والرغبة في السيطرة على المنفذ الاقتصادي الوحيد آنذاك للمنطقة، أدخلت آل نهيان في معارك مع القواسم، قُتل في إحداها زعيمهم حاكم الشارقة خالد بن سلطان القاسمي عام 1868، ومنذ ذلك الحين تقلصت قوة القواسم في مُقابل قوة آل نهيان الذين توسّعوا في إخضاع القبائل لحكمهم.
منذ عام 1820، سُمّيت أحلاف القبائل الحاكمة للإمارات ب”الإمارات المُتصالحة” أو “إمارات الساحل المُتصالح”، وذلك على إثر عدد من الاتفاقيات والمصالحات الموقعة بين أحلاف القبائل برعاية بريطانية. ورغم ذلك استمر الصراع الذي احتدم عدة مرات بين الإمارات. ويُشار إلى أنّ سعي بريطانيا لعقد اتفاقيات الصلح تلك، كان هدفه في البداية إغلاق الطرق على هجمات القواسم ضد القطع البحرية الإنجليزية.
خلال تلك الأثناء اتجه آل نهيان للتفكير في تشكيل اتحاد ما للإمارات المُتصالحة يكون لهم فيه الزعامة بطبيعة الحال، لتفوقهم على غيرهم سواءً في مساحة الأرض أو لعلاقاتهم الوطيدة بالإنجليز. هذا الأمر أقلق الإنجليز على مصالحهم في المنطقة لذا دفعوا لتعديل الاتفاقيات المُبرمة بين الإمارات بعضها البعض، وبينها وبين بريطانيا، وصولًا لما عرفت بالاتفاقية المانعة عام 1892، والتي وُقعت تحديدًا بين الإنجليز وبين زعيم آل نهيان. نصت هذه الاتفاقية على إعطاء الإنجليز مزيدًا من النفوذ في المنطقة بإعلان الوصاية/ الحماية البريطانية عليها، في مُقابل “احترام” سيادة مشايخ وحكام الإمارات. من جانبهم حاول آل نهيان خرق الاتفاقية وتجاوزها مرارًا لكنهم لم يفلحوا في ذلك، فأذعنوا للأمر الواقع.
هذا وقد زاد الإصرار الإنجليزي على الحد من طموح آل نهيان مع بزوع نجم عبد العزيز آل سعود الشاب الطامح نحو دولة سعودية ثالثة. ورغم تعارض مصالح آل نهيان وآل سعود في المنطقة، إلا أنّ بريطانيا أدارت المعركة بينهما كل على حدة. وعلى الرغم أيضًا من أن الاتفاقية المانعة نصت على ترك إدارة شؤون الإمارات الداخلية لمشايخها، إلا أن بعض الأحداث شهدت تدخلًا بريطانيًا كان غرضه في الأغلب الحد من نفوذ آل نهيان المُتعاظم. على سبيل المثال حين حاول آل نهيان توطين حُلفاءٍ لهم في بعض مناطق نفوذ القواسم وحُلفائهم في إمارة عجمان، تدخلت بريطانيا لإيقاف هذا التوطين، رغم أن آل نهيان أبدوا استعدادًا لتعويض القواسم ماديًا.
وبالجملة، يُمكن القول إنّ الخلافات، بل الصراعات بين حُكام الإمارات لم تخبُ يومًا مع أي اتفاق أو مُصالحة. وظلت كذلك فترة طويلةً من الزمن. بل إنّ الأحلاف نفسها قد شهدت خلافات داخلية مكبوتة، تبرز أحيانًا، وتخفت غالبًا. وهكذا استمر الحال حتّى اكتشاف النفط في منتصف القرن العشرين.
من يحكم الإمارات؟
على ما يبدو فإنّ النمط الاقتصادي يُغيّر في بنية المجتمعات حقًا. على الأقل هذا ما حدث مع قبائل الإمارات، التي جنحت نحو مزيدٍ من السلم فيما بينها بعد اكتشافات النفط المتتالية في الإمارات المُختلفة بدءًا من أبو ظبي.
اتجهت الأسر الحاكمة لخلق إطار عام من التعاون فيما بينها بعد أن اغتنت باكتشاف النفط. وكان واضحًا حتى للبريطانيين أنّ نظرة حُكام الإمارات للعلاقات فيما بينهم اختلفت، واقتربت شيئًا فشيئًا نحو الاتحاد. وفي الخلفية من ذلك كان طموح آل نهيان نحو الزعامة لا يزال قائمًا. لكن مع إدراك لواقع أنّ التفرد ليس الحل الأمثل.
من هُنا انطلقت جهود آل نهيان لتوحيد الإمارات، عبر تعزيز التعاون بينها بإنشاء ما عُرف بمكتب التطوير. ولإدراكهم عدم إمكانية تجاوز بريطانيا في أمر كهذا، لجأ آل نهيان طواعية للإنجليز ليساهموا في تأسيس المكتب الذي بدا كنواة للاتحاد المُستقبلي.
أُنشئ المكتب عام 1965 في إمارة دُبي. وكانت تلك أيضًا خُطوة من آل نهيان للمبادرة بالتعاون. واختص المكتب بالإشراف على تنفيذ خطط للتنمية في مجالات مُختلفة، من عوائد النفط. بعد عام واحد من إنشاء المكتب (1966) وصل زايد بن سلطان آل نهيان لسدة الحكم في إمارة أبوظبي. وقد استطاع التصرف كأفضل ما يكون مع النفط المُكتشف، والذي تصادف أن نسبته الأكبر تتواجد تحت أراضي إمارته، لذا فقد ساهم بدفع نصف ميزانية مكتب التطوير، وذلك تعزيزًا لزعامة أبوظبي بين الإمارات.
عام 1967 اتجهت الإمارات إلى تأسيس مجلس حكام الإمارات المتصالحة في دبي أيضًا، وضموا له مكتب التطوير. كانت رئاسة المكتب بالانتخاب بين أعضائه زُعماء الأسر الحاكمة للإمارات. وقد ترأس الدورات الثلاثة الأولى للمجلس، القواسم حُكام رأس الخيمة والشارقة، بينما تولّت دُبي الأمانة العامة له.
كان غريبًا أن إمارة أبوظبي لم تحظ بدور ريادي رسمي داخل المجلس، لكن حين تعلم أنّها كانت تصب جُل تركيزها نحو تحقيق الحُلم التاريخي بالزعامة الحقيقية لدولة الإمارات المُتحدة؛ يُصبح الأمر إذًا مفهوما. العلاقات القوية –رغم توترها أحيانًا- بين الإنجليز وآل نهيان، جعلت الأخيرين على اطلاع دائم على نوايا الإنجليز فيما يخص منطقة الإمارات، ما يجعل لهم قدم السبق في التصرف على إثر ذلك الاطلاع.
عام 1968 أعلن هارولد ويلسون رئيس وزراء بريطانيا نيّة بلاده الانسحاب من مناطق الإمارات المُتصالحة والتي تضم أيضًا كلًا من قطر والبحرين، على أن يتم ذلك عام 1971. على إثر ذلك سارع زايد آل نهيان حاكم أبوظبي وفي ذيله راشد آل مكتوم حاكم دبي إلى إيجاد صيغة مُناسبة لتحقيق الاتحاد بين الإمارات مُتضمّنة قطر والبحرين. في البداية أعلنت كلٌ من أبوظبي ودبي الاتحاد وإصدار دستور واحد حاكم. ثُم قامت الإمارتان المُتحدتان بدعوة باقي الإمارات التي استجابت للجلوس على مائدة التفاوض.
فشلت المرة الأولى في عقد اتفاق بين الإمارات التسعة. فيما أعلنت كل من قطر والبحرين استقلالهما كدولتين لهما سيادتهما، وذلك ما بين شهري أُغسطس وسبتمبر 1971. ثُم في ديسمبر 1971 اجتمع حُكام الإمارات السبعة في دُبي، ليخرجا بعد مفاوضات طويلة بإعلان اتحاد 6 إمارات تحت الدستور الذي أصدرته كلٌ من أبوظبي ودبي قبل ذلك، بينما تخلّفت إمارة رأس الخيمة عن ركب الاتحاد قبل أن تنضم إليه لاحقًا في فبراير 1972.
وتُعتبر دوائر الحُكم في الإمارات المُتحدة مُتداخلة عبر عدة مُؤسسات على رأسها المجلس الأعلى للاتحاد برئاسة حاكم أبوظبي ونيابة حاكم دبي. ثُم مجلس الوزراء برئاسة حاكم دبي أيضًا. وفي 1972 أُسس المجلس الوطني للاتحاد الذي هُو بمثابة ممثل السلطة التشريعية في البلاد، لكن مع وقف التنفيذ حتى الآن، إذ إنّه لا يملك أي سُلطات فعليّة، بخاصة أن نصف أعضائه بالتعيين المُوزّع بين الإمارات، والنصف الآخر بالانتخاب في حدود ضيّقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.