سلسلة منشورات في الأسبوع الأخير تدل على تعزيز كبير للمساعدات العسكرية التي تمنحها روسيا لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، لدرجة الاستخدام المحتمل للطواقم الجوية والطائرات القتالية الروسية في محاولتها للحفاظ على حكم الأسد. ومع ان الجهد الروسي يحظى بانتقاد هزيل من جانب الولاياتالمتحدة، فان هذا يبدو في هذه اللحظة مجرد ضريبة شفوية للموقف الأمريكي الأصلي الذي طالب برحيل الأسد من الحكم. فبعد أربع سنوات ونصف من الحرب الاهلية الوحشية ورغم الضربات الشديدة التي تلقاها، يخيل أن الأسد – غير القادر حاليا على استعادة السيطرة التي فقدها في أكثر من نصف الأراضي السورية – يمكنه أن يواصل الاحتفاظ بالحكم في هذه المرحلة، من خلال المساعدات الروسية والإيرانية وفي ضوء تركيز الغرب على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية داعش. هكذا افادت "النيويورك تايمز" بان روسيا بعثت مؤخرا بارسالية جديدة من الخبراء العسكريين الى سوريا وتستعد لان يرابط نحو الف مستشار في اللاذقية، الخطوة التي تبدو كإعداد لإقامة قاعدة عسكرية روسية في الجيب العلوي الذي بسيطرة نظام الأسد. واعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها من التقرير وحذر وزير خارجيتها جون كيري نظيره الروسي سيرجيه لافروف من ان الخطوة قد تؤدي الى تصعيد اضافي في الحرب الأهلية. وفي الأسبوع الماضي أفادت وسائل اعلام مختلفة، بما فيها موقع الانترنت الامريكي "ديلي بست" استنادا الى معارضين سوريين عن مجنزرات جديدة زودتها روسيا للاسد بل وعن جنود رو يشاركون ظاهرا في القتال. وفي إسرائيل أفادت "يديعوت احرونوت" عن طائرات قتالية روسية ترابط في سوريا وتشارك في القتال. في حزيران أفادت "هآرتس" بانه حسب تقدير الاستخبارات الإسرائيلية، فرغم سلسلة هزائم تكبدها النظام السوري في الأشهر الأخيرة، فان روسياوإيران مصممتان على ضمان بقائه. وحسب ذاك التقدير، فان الدولتين قررتا ان تنقلا الى الرئيس الأسد وسائل قتالية إضافية وان تضعا تحت تصرفه المعلومات الاستخبارية، كجزء من مكافحته لمنظمات الثوار العديدة العاملة على إسقاط حكمه. وقد عملت الدولتان في الغالب بشكل منفرد ولكنهما مؤخرا، منذ التوقيع على الاتفاق النووي في فيينا بين إيران والقوى العظمى الستة، في بداية حزيران، تتكاثر المؤشرات على انه فتحت بين موسكو وطهران قنوات تنسيق جديدة. وقبل نحو شهر علم عن زيارة الجنرال قاسم سليمان الى موسكو، وهو قائد جيش القدس في الحرس الثوري والمسئول عن المساعدات الإيرانية لنظام الأسد، لحزب الله ولسلسلة منظمات ارهابية وعصابات في الشرق الاوسط. ويمكن التقدير بان هذه كانت جزءا من مساعي التنسيق الجديدة بين الدولتين. لقد دعمت موسكو الأسد على مدى كل سنوات الحرب. في صيف 2013 تدخلت في صالح الطاغية السوري في توقيت حرج من ناحيته، عندما خطط رئيس الولاياتالمتحدة براك اوباما لهجوم جوي في سوريا كعقاب على قتل اكثر من الف مواطن في هجوم استخدم فيه السلاح الكيميائي. وبادرت روسيا في حينه في اللحظة الاخيرة بالاتفاق لحل مخزونات السلاح الكيميائي الذي لدى النظام مقابل الغاء القصف الأمريكي. وفي السنة الاخيرة لطف اوباما وزعماء غربيون آخرون خطابهم ضد الأسد، على خلفية صعود قوة داعش والخوف من أن يؤدي اسقاط النظام الى سيطرة منظمات سنية متطرفة على دمشق ومذبحة واسعة النطاق للمواطنين من الطوائف الموالية للحكم، وعلى رأسها الطائفة العلوية. وساعد الهجوم العسكري الذي قادته الولاياتالمتحدة ضد داعش في العراق وفي سوريا الأسد بشكل غير مباشر، لانه اضعف بقدر ما احد خصومه الأساسيين ودفع التنظيم الى تكريس جزء هام من وقته للدفاع عن النفس، بدلا من مواصلة الهجوم على النظام بكامل القوة. والآن، عندما لا يكون الامريكيون يعملون على إسقاطه وروسياوإيران تزيدان الدعم له، تتعاظم الاحتمالات في أن ينجح الأسد في تثبيت خطوطه الدفاعية، رغم الخسائر الجسيمة التي تكبدها، المعنويات المتدنية في جيشه والتآكل المستمر من جانب الثوار في المناطق التي احتفظ بها النظام. منذ سنوات عديدة وإسرائيل لا تؤيد حقا إسقاط نظام الأسد، بل معنية باستمرار الوضع القائم وببقاء نظام الأسد ضعيف يسيطر فقط في "سوريا الصغرى"، اقل من نصف المساحة الأصلية للدولة. ومع ذلك، فان التطورات الجديدة لا تشجع من ناحيتها. فحسب منشورات ثابتة في وسائل الإعلام الأجنبية، لم تعد إسرائيل تتكبد عناء الرد عليها، يهاجم سلام الجو مرة كل بضعة اشهر قوافل سلاح تنقل وسائل قتالية من سوريا حتى حزب الله في لبنان. وأعمال القصف المنسوبة لإسرائيل، والموجهة لمنع تزود حزب الله باسلحة حديثة، تتم تقريبا بلا عراقيل بسبب ضعف سلاح الجو السوري والقدرات المحدودة نسبيا لمنظومات الدفاع الجوي لدى سوريا وحزب الله. ولكن اذا كانت روسيا بالفعل تنشر طائرات قتالية وتقيم قاعدة جديدة في سوريا، فسيتعين على اسرائيل أن تواجه قيدا من نوع آخر جدا، ولا سيما اذا ما انضمت الى الطائرات منظومات من الصواريخ الروسية المضادة للطائرات. وفي السنوات الاخيرة جرى حديث غير قليل عن المعركة التي بين المعارك، النشاط العسكري والاستخباري بمنسوب متدن هدفه منع تعاظم قوة منظمات الارهاب في المنطقة وابعاد خطر الحرب التالية. اما دخول روسيا الى الساحة السورية فسيغير قواعد اللعب. في بداية السبعينيات، عندما بعث الاتحاد السوفييتي بمستشارين الى مصر وسوريا، اقيمت على عجل في وحدة جمع المعلومات المركزية في شعبة الاستخبارات العسكرية (المعروفة اليوم بوحدة 8200) دائرة تسمى "مسرغه" تابعت بالتنصت للنشاط الروسي في المنطقة. ومع ان علاقات اسرائيل وروسيا تحسنت في العقود التي انقضت منذئذ، الا ان التواجد العسكري المتزايد للروس في المنطقة كفيل بان يلزم في المستقبل اسرة الاستخبارات الاسرائيلية ببذل جهود اكبر في هذا الاتجاه ايضا.