ماذا لو كان الغرب تدخل سريعًا لحل الأزمة المتصاعدة في سوريا؟، ليس بالضرورة حلاً عسكريًا، طالما أن الأمريكان لم يكونوا راغبين لا سابقًا، ولا حاليًا في اللجوء للقوة، ولو سقط مليون قتيل، أو أكثر؟، ماذا لو كان حلاً سياسيًا تم فرضه، ألم يكن ذلك بمقدور الغرب، وعلى رأسه القوة العظمى التي تقود العالم؟، هل محور نظام دمشق وروسيا والصين وإيران والميليشيات التابعة لها قوي ونافذ ومؤثر إلى درجة أن يكون مكافئًا لمحور الغرب الأوروبي الأمريكي ومعه العواصم الخليجية والعربية الداعمة للشعب السوري والعواصم الأخرى المتعاطفة معه، وهذا المحور هو الأكبر والأوسع عالميًا من نتائج التصويت الكبيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم مطالب السوريين في الحرية والإدانة للجرائم التي يرتكبها النظام، وحتى في مجلس الأمن فإن مشروعات القرارات التي تم التصويت عليها لإدانة النظام حظيت بأغلبية الدول الأعضاء، وكان الفيتو الروسي الصيني المزدوج هو من يسقطها لتقف الدولتان وحيدتين في المجلس إلى جانب نظام مستبد متسلط مثليهما. الحلول المبكرة لإيقاف حرب بدأها النظام كانت حررت الغرب اليوم من أزمة اللاجئين، ومن أزمات سقوط الأخلاق والضمير وعدم الاعتبار للقانون الإنساني ليس في صد تدفقات المهاجرين على أرضه فقط، بل في بحور الدماء ومئات ألوف الضحايا الذين يسقطون، وتكاثر وتوحش الإرهاب. مع ذلك لا نلوم الغرب كثيرًا في تردده في استقبال مزيد من اللاجئين لأن معظم بلدانه متأزمة اقتصاديًا ومواطنيه يعانون البطالة، إنما اللوم الأكبر أنه ترك المأساة تتفاقم وتتعقد وترك حاكم دمشق يقتل ولا يعبأ بالعالم ولا بأي قيم وطنية أو أخلاقية أو قانونية أو سياسية أو إنسانية عن أرواح البشر، عندما أمن هذا النظام العقاب فإنه أساء استخدام السلطة والقوة وسحق الإنسان، وبعد أربع سنوات ونصف السنة مازال الغرب والعالم بلا خطة جادة لوقف المجزرة التي خرجت عن السيطرة وولدت تنظيمات موغلة في التطرف والدموية مثل داعش، كان الحل السريع للأزمة في بدئها كفيلاً بقطع الطريق على بروز كل هذا التطرف والإرهاب الذي يُغرق سوريا ويضاعف آلام العراق وينتشر في بلدان المنطقة كالسرطان، ويهدد أوروبا ذاتها، وإلا فإن نظرية المؤامرة تجد لها أصداء بأن الغرب هيأ التربة لظهور تلك التنظيمات في إطار نشر الفوضى في المنطقة وإدخالها في موجة جديدة من تقسيم دولها على أسس دينية وطائفية وعرقية وقومية. لكي ينفي الغرب نظرية المؤامرة عنه فهو مطالب بأن يسابق الزمن لوضع حلول حاسمة تحفظ سوريا كدولة موحدة ووضع الروس والإيرانيين أمام اختبار حججهم في أنهم لا يدافعون عن شخص إنما عن كيان دولة من السقوط والتفتت ، وتحفظ ما تبقى من جيش وقوى أمنية ومؤسسات مع تغيير عقيدتها من الولاء لشخص الحاكم إلى الولاء للدولة السورية فقط، وذلك عبر انتقال سياسي آمن تشارك فيه كل القوى التي تنبذ العنف والإرهاب والإقصاء وتؤمن بدولة متعددة ديمقراطية حرة، وهذا سيسهل كثيرًا محاصرة تنظيمات التطرف، وإنهاء دورها عبر تحالف دولي شامل، وستكون دول المنطقة جزءًا فاعلًا فيه لأنها لن تحارب داعش ليخرج الأسد مستفيدًا ويبقى بكل تسلطه، إنما تحارب التطرف من أجل سوريا جديدة لا تشمل في هيكلية نظامها السياسي الجديد كل قوى الشر والطغيان والقتل والإرهاب. من المدهش أن البلدان التي تدعم النظام القاتل نجدها محصنة ضد تداعيات الأزمة التي تشارك بالقسط الوافر في صنعها، فاللجوء لا يتجه صوبها، والمهاجرون لا يقصدونها في إيران وروسيا والصين، ولا ضغوط اقتصادية أو خدمية تتعرض لها، لكن النتائج كلها يتحملها أصدقاء الشعب السوري، في دول الخليج والأردن وتركيا وبلدان أوروبا بتقديم المساعدات للسوريين أو استقبالهم في مخيمات أو في هجرات غير منظمة وطلبات لجوء. إنهاء الأزمة سيجعل أصدقاء الشعب السوري يتخففون تدريجيًا من مسؤولياتهم تجاهه بعودة اللاجئين والمهجرين، ومنح الأمل للسوري للبقاء داخل وطنه بعد إيقاف آلة القتل اليومية ضده. الديمقراطية لا تكلف شيئًا، فهي وصفة مثالية لاستقرار الدول، وتنظيم وحل الاختلافات والتناقضات بين قواها السياسية والمجتمعية عبر صندوق الانتخابات والمحاسبة والرقابة من خلال البرلمان والمنظمات الشعبية والحقوقية والإعلام المستقل والفرص المتساوية بلا تمييز وبالتالي يعيش الشعب ولو كان فقيرًا في حالة رضا لأنه يأخذ حقه ولو كان قليلاً، والأهم أنه يمارس دوره في اختيار حكامه وممثليه، ولذلك لا تجد مواطنًا في بلد ديمقراطي باحثًا عن لجوء، أو منفيًا أو مشردًا أو هاربًا أو خائفًا أو مضطهدًا، تجد ذلك كله في بلدان التسلط والقهر والديكتاتوريات وحكم الفرد والفساد والتمييز وعدم المساواة والمظالم الاجتماعية ورفع الشعارات السخيفة التي لا تشبع بطنًا ولا تعالج مرضًا ولا تجعل عينًا تنعس آمنة مطمئنة بل تريد مواطنًا مدجنًا سلبيًا رقمًا في التعداد فقط. هل هناك بلد حر ديمقراطي يعاني الذي يعانيه السوريون والعراقيون اليمنيون والليبيون والصوماليون وغيرهم من شعوب دول عربية وإسلامية منكوبة باستبداد مزمن باطش؟. بالطبع، لا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.