رحيل الشيخ عصام دربالة رحمه الله سيؤثر بالسلب على الجماعة الاسلامية لعدة اعتبارات : أولاً : الرجل رغم المواقف المعلنة من رفض الخروج من تحالف الاخوان والاستمرار فيه ، وعدم اتخاذ مواقف واضحة وصارمة من القيادات الهاربة ومواقفها الحادة التى أحرجت الجماعة فى الداخل ووضعتها من جديد فى خصومة وعداء مع مؤسسات الدولة ، الا أنه كان بمثابة " رمانة الميزان " ونقطة توازن الجماعة بين تشدد وحدية وتهور ومغامرات قيادات الخارج غير المحسوبة ، وبين احتواء أكبر قدر من قواعد الداخل فى ماراثون خاضه الشيخ عصام قبل وفاته للحفاظ على الحد الأدنى من تماسك الجماعة . هى معادلة فى منتهى التعقيد حاول الدكتور دربالة تحقيقها خاصة أن الشيخ عصام رحمه الله كان حتى وهو مقبوض عليه يحول دون انهيار الجماعة التام بخيارات ومواقف وسط – بدت كأنها مناورات – ليحول دون انقسام الجماعة وانهيارها الكامل وفى نفس الوقت عدم الاضطرار الى المفاصلة بين قيادات الداخل وقيادات الخارج . وهذا ما جعله يركز جهوده المعلنة خلال الأشهر الأخيرة فى اظهار الجماعة سلمية وضد العنف وأنها ضد التكفير والتفجير ، وأن لها موقف واضح ومدروس من تنظيم داعش من ناحية ، ومن ناحية أخرى مسك العصا من المنتصف مع قيادات الخارج بعدم اعلان الخروج الرسمى من تحالف الاخوان ، مع الحيلولة دون تسليم الجماعة بشكل كامل لارادات قيادات الخارج والاخوان فى قفزاتهم غير المحسوبة فى الصدام مع مؤسسات الدولة وفى الصراع على السلطة ، وان كان هناك قضايا فردية لأعضاء بالجماعة الاسلامية ، تعاملت معها أجهزة الأمن بشكل فردى وليس بشكل تنظيمى ينسحب على الجماعة وكيانها وأنشطة حزبها . الاعتبار الثانى : نفوذ قيادات الخارج الواسع ، ممن سيستغلون الحدث للدفاع عن مواقفهم ومصالحهم فى الخارج بمحاولات توجيه قواعد الجماعة لمزيد من الكراهية والتحريض ضد الدولة ومؤسساتها . هؤلاء جزء من الأزمة فخياراتهم وخطابهم ومواقفهم الحادة المتشنجة وتحالفاتهم لم تراع المستجدات الداخلية ولا الاقليمية ولم تراع أوضاع الجماعة الاسلامية وقياداتها وأبنائها فى الداخل ، وتسببوا بشكل كبير فى احراج الجماعة وقياداتها فى الداخل وتحميلها مواقف فوق طاقتها ، وان حاول الشيخ عصام دربالة رحمه الله التخفيف من حدتها والتنصل منها حتى فى أثناء فترة حبسه ، لكنه لم ينجح بشكل كامل بسبب حرصه على المواءمة بين الداخل والخارج وحرصه على ألا يخسر قيادات الجماعة الهاربين بالمفاصلة والتبرؤ الكامل من مواقفهم . الاعتبار الثالث : كون الدكتور عصام دربالة رحمه الله أحد أهم قياداتها التاريخية المعروفة ، ورغم الخلاف بينه وبين القيادات الاصلاحية على رأسهم الشيخ كرم زهدى والدكتور ناجح ابراهيم الا أنه كان الأقرب للحوار معهم وربما مواءمة المواقف للتقارب مع وجهات نظرهم بالمقارنة بقيادات الجماعة الحاليين الآخرين أمثال رفاعى طه وطارق الزمر وعاصم عبد الماجد وصفوت عبد الغنى . بذلك تفقد الجماعة أحد أهم العناصر التى كانت مرشحة للعب دور فى حل أزمتها سواء بالتقارب مع القيادات الاصلاحية أو حتى التصالح مع الدولة فى مراحل لاحقة من المفاوضات والمواءمات أو حتى الصفقات التى من المؤكد أن يكون لها مستقبلاً محل من الاعتبار فى اطار أية تسوية أو تطور فى الساحة السياسية وفى علاقات الحركة الاسلامية مع الدولة . أعتبر رحيل الشيخ عصام دربالة رحمه الله خسارة كبيرة وسيؤثر على الجماعة الاسلامية بشكل كبير ، ويتحمل مسئولية الخسارة فى الأساس قيادات الخارج ، وان أظهروا التضامن وأطلقوا التهديدات . هم حتى يتعاملون مع حدث الوفاة بخيال واسع وشعارات وكلام اطلاقى من الصعب تحققه وليس له أثر حقيقى ولن يفيد الجماعة وأبنائها وقياداتها بالداخل ، بقدر ما يفيد الصورة العنترية التى يستميتون فى الحفاظ عليها لدى المأخوذين والمسحورين بهذا النموذج . العقرب شديد الحراسة من السجون القاسية جداً والمصممة بشكل لا يتحمله الا من كان فى ريعان الشباب وفى ذروة قوته وكامل قواه البدنية ، فاجتمعت ضراوة التصميم الهندسى ونظام الغرف والزنازين الضيقة محكمة الغلق شحيحة التهوية ، مع ازدحام السجون وانعكاس ضراوة الصراع والمواجهات مع أجهزة الدولة ومؤسساتها ومواقف الجماعة الاسلامية بجانب الاخوان على الأوضاع داخل السجون عموماً وعلى العقرب بوجه خاص والمرض وكبر السن والحر الشديد ، بينما من يحرض ويصعد فى الخارج فى التكييفات والفنادق والاستديوهات !.. فماذا ننتظر ؟ فاذا كانت الجماعات مطالبة بالمراجعات والنقد الذاتى واستيعاب وهضم المتغيرات والمستجدات اليومية على الواقع السياسى المحلى والاقليمى ، فالدولة مطالبة بالمراجعة ، خاصة اذا تعلق الأمر بسجن بتلك القسوة ، فهل من المنطقى سياسياً التعامل بهذا الشكل مع قيادة اسلامية كان لها هذا الدور ؟ وهل من المنطقى انسانياً التعامل بهذا الشكل مع من يعانون من الأمراض المزمنة وكبر السن وليست لديهم القدرة على تحمل ظروف السجون القاسية ؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.