كشف عدد من التقارير الصحفية عن أن قيادة حركة «حماس» أمرت أخيرًا كل طواقمها تقريبًا الموجودة في دمشق بمغادرة البلاد، وأن غالبية أعضاء الحركة الذين يتحدَّرُون من قطاع غزة عادوا إلى القطاع، في حين توجه آخرون إلى كلٍّ من تركيا ولبنان وقطر، كما أن جميع عناصر الجهاز العسكري غادروا سوريا، و من بقي فيها هم فقط القادة السياسيون وعددهم قليل، وأن أمر مغادرتهم مرتبطٌ بالتطورات. يؤشر هذا التحرُّك من قبل حركة «حماس» على كون الحركة لم تعد ترى مستقبلًا لنظام «الأسد»، أو أن سلوكه السياسي أصبح مضرًّا بها من جهة خدش صورتها الذهنية الإيجابية بإجمال لدى الرأي العام السوري والعربي؛ فإيغال النظام في قمعه لحركة الاحتجاجات المندلعة منذ حوالي الثمانية أشهر أصبح مصدر إحراج لكل متحالفٍ معه أو محجم عن اتخاذ موقف صارم من سياساته. حركة «حماس» و«حزب الله» وإيران هم أهم حلفاء النظام السوري في المنطقة، في الحقيقة ليس هناك تقريبًا غيرهم. إلا أن «حماس» بدت هي الأكثر قدرة على اتخاذ مسافة من النظام في مواجهته للاحتجاجات على الرغم من أنها أقل حلفائه قوة، وأكثرهم حاجة إلى دعمه. ففي حين عبَّرت الحركة رسميًّا في إبريل الماضي – قبل أن يتخذ قمع النظام شكلًا فجًّا – عن تقديرها للدعم الذي قدَّمته لها الحكومة السورية، إلاَّ أنها أحجمت عن اتخاذ موقف فيما يتعلق بالصراع الداخلي، حاولت «حماس» بقدر الإمكان أن تتخذ موقفًا محايدًا، إلا أن هذا الموقف كان أقل كثيرًا مما طلبه النظام. إذا قورن هذا الموقف للحركة إزاء النظام بموقف «حزب الله»، نجد أن البون شاسعًا؛ فمنذ اليوم الأول أفصحت قيادات «حزب الله» عن دعم الرئيس بشار الأسد و«خطته للإصلاح»، فضلًا عن ما يعتقد من تقديمه للدعم المادي المباشر لأجهزة النظام الأمنية والعسكرية. في المقابل رفضت قيادات الحركة مطالب النظام بأن تقدم دعمًا سياسيًّا وطبقًا لبعض المصادر، دعمًا عمليًّا أيضًا لقمع الاحتجاجات. كانت الخيارات أمام حركة المقاومة الإسلامية «حماس» كالآتي: الرهان على نظام يواجه تحديًّا وجوديًّا من حركة احتجاجات واسعة - يقع في القلب منها قوى ترتبط الحركة بها ثقافيًّا ودينيًّا، ويبدو ذاهبًا في عزلة عربيَّة ودوليَّة أعمق من تلك التي كانت قائمة أصلًا، أو المراهنة على «المستقبل»، أي الانسجام مع رأي عام عربي بات يأخذ دورًا فاعلًا في السياسة العربية، والانسجام قبل ذلك مع قواعده وأنصاره في أرجاء العالم العربي. فلكلِّ خيارٍ مخاطره، اختيار «حماس» النأي بنفسها عن النظام السوري يحمل مخاطر فقدان الملاذ الوحيد الذي كان يمكن للحركة أن تمارس منه كافة خياراتها، بما فيه الخيار العسكري، وهو الخيار الذي سيحول بينها وبينه انتقالها لدولٍ مثل قطر أو تركيا أو مصر لديها التزامات دولية تناقض توجهات الحركة. وبافتراض بقاء النظام السوري أو على الأقل مرور كثير من الوقت قبل انهياره فإن قيادات «حماس» لا تخاطر فقط بفقدان تحالفها معه، ولكن باستعدائه. في حين أن الحركة لوكانت قد تماهت مع النظام لم تكن لتفقد فقط تعاطف الرأي العام العربي والعلاقات مع الدول العربية والإقليمية التي تقود حملة عزل «الأسد»، ولكن لتعرضت لأخطار تهدد تماسكها التنظيمي. فالنظام القائم في سوريا الآن نظام يقوده العلويون، كما أنه نظامٌ علماني يرفض التوجهات الإسلامية والسياسية التي تتبناها حركة «حماس» وأعضائها وقاعدتها الاجتماعيَّة. وفعلًا فإن التحالف بين النظام والحركة كان تحالفًا تكتيكيًّا بامتياز، كان مفترضًا له التفكك مع أول تسوية يقبلُ بها الإسرائيليون والسوريون. الواقع يقول إن الإيديولوجية البعثية للنظام السوري وتوجهاته السياسيَّة الأساسية تناقض نظيرتها لدى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ، ولعل هذا ما سهَّلَ على الحركة قرار الافتراق.