لسبب أولآخر؛تعمد البعض ألا يذهب لصندوق الانتخابات ليدلي بصوته ويختار مرشحيه؛أحدهم قال إنه ليس مقتنعا بكل القوائم والأفراد في دائرته فلماذا يذهب للمفاضلة بين من لايرى فيه رجلا رشيدا أصلا؟وآخر يرى أن الانتخابات بطريقتها الحالية وتوقيتاتها لن تفرز شيئا ذا قيمة؛لذا اختار أن يقاطعها؛بينما ثالث يؤكد - ودعك من بجاحته – أنه يحن إلى النظام المخلوع ويرى أنه كان فيه استقرار(والأصح عندي أنه كان موتا بالحياة)؛أما الرابع فقد ذهب بعيدا جدا؛إذ يرى في فكرة الانتخابات والديمقراطية برمتها ابتداعا لايوافق عليه!! هل كل هؤلاء آثمون؟ مفتي مصر الدكتور علي جمعة في كلامه؛الذي لا أعرف هل أصنفه في خانة الرأي؛أوقسم الفتوى الشرعية؛قطع بأن من لايذهب للإدلاء بصوته في الانتخابات؛هو آثم شرعا؛لأن الانتخابات – في تقدير فضيلته – شهادة(ومن يكتمها فإنه آثم قلبه). سألت أحد الشيوخ الذين أثق فيهم وفي قدرتهم على الاستنباط؛فقال لي (إن المسألة محل خلاف؛لأن الفئات التي ضربت بها الأمثال ؛قد يكون موقفها سليما من الناحية السياسية؛مهما اختلفنا معهم في تقديراتهم؛وبناء على ذلك؛فلا أستطيع – والكلام للشيخ الجليل – أن أصفهم بالآثمين؛هكذا على الإطلاق ودفعة واحدة)؛وعلى طريقة السلف أقول:انتهى كلام الشيخ حفظه الله. وبقي لي ولك أيها القارئ الكريم أن نتحاور في المسألة؛التي يتضح أن فيها خلافا وآراء كثيرة وتفاصيل أكثر؛نتفق أونختلف في النتيجة لايهم؛لكن المسألة الأهم في تقديري هي هذا الاندفاع في استخدام وتطويع آيات القرآن الكريم؛التي هي(حمالة أوجه)؛كما يصفها علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لتبني موقف في مسألة هي بالأساس متشابكة لحد كبير ؛يتقاطع فيها السياسي بالاجتماعي؛وربما مع الشرعي أيضا؛ومن هنا فإن الكلام – رأيا كان أم فتوى – ينبغي أن يكون بحرص شديد ودقة بالغة؛تنزيها لكتاب الله الكريم وآياته المطهرة من كل وأي استخدام لايليق بجلالها وقدسيتها. إسلامنا شامل لكل مناحي الحياة؛هذا حق؛وقرآننا الكريم دستور خالد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ذلك أمر مفروغ منه؛لكن أي فهم للإسلام نعني؟وأي تفسير لآيات كتاب الله المجيد نقصد؟تلك مسألة فيها نظر. أما ماليس بحق ؛وماليس مفروغا منه حتى الآن؛فهو هذا الاستسهال البغيض في استخدام آيات القرآن الكريم وتطويعها من أجل تبني موقف سياسي بعينه؛فهي مسألة قد تفتح علينا أبوابا كثيرة للفتنة لا يتحملها الوطن؛ولاطاقة للناس بنتائجها المخيفة في بلد يعاني جهلا بالقراءة والكتابة؛ناهيك عن أمية ثقافية من الخيانة أن نغض الطرف عنهاوأن ندفن رؤوسنا في الرمال كي لانراها. لقد أعجبني فضيلة الشيخ العلامة الفقيه الدكتور يوسف القرضاوي؛حين لم يلجأ لشيء من ذلك في موقفه الرافض لتخلي قيادات جماعة الأخوان المسلمين عن ميدان التحرير ومن به من ثوار تعرضوا للقتل والسحل والتعذيب وفقئ الأعين البصيرة بالرصاص؛ وغارات الغاز المحرم دوليا؛بأيدي بعض الهمج من قوات الشرطة؛وربما شاركهم غيرهم أيضا؛تحت سمع وبصر من يديرون البلاد ويفترض أنهم مسئولون عن حماية دماء وأرواح العباد؛رغم أن الموقف الشرعي – في تقدير الكثيرين – ربما كان أكثر وضوحا؛فحسب قول هؤلاء؛فإننا مأمورون بأن نجير من استجار بنا؛حتى نبلغه مأمنه؛حتى لو كان مشركا؛فالقرآن الكريم يقول : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى تبلغه مأمنه )فما بالك والمستجيرون هم أبناؤنا؛قرة أعيننا؛الذين رفعوا رؤوسنا وأعادوا لمصر شيئا كثيرا من قيمتها ومكانتها. حسنا فعل القرضاوي؛أن صدع – كما اعتاد دائما – بكلمة الحق كمايراها؛دون أن يتخذ من فهمه لآيات القرآن الكريم سلاحا في انتقاده؛بل ونقضه لموقف رآه الكثيرون غير أخلاقي ولامبرر؛لكنه قد يكون بمنظور ما موقفا سياسيا انتهازيا(براجماتيا)؛أعاذني الله وإياكم من البراجماتية والبراجماتيين؛قديمهم وحديثهم.