تواجه غزة مخطط الابادة عن طريق الحصار واغلاق المعابر المصرية والاسرائيلية ، وفي ظل تعقيدات الواقع تتحقق الماساة ولذلك تقدم هذه الورقة مخرجا امنا لتفادي المازق وذلك في نقطتين وهما شرح المخطط الصهيوني الاستراتيجي وتحديات كسر الحصار وثانيهما تفكيك معوقات انهاء الحصار واستعادة الحاضنة العربية الي القضية الفلسطينية . أولا: النظرية الصهيونية فى فلسطين:
الحركة الصهيونية تجاهر الآن على لسان قادتها ما كانت تخفيه وهى أن فلسطين هى الموطن التاريخى لليهود وأنهم شردوا فى أرجاء الدنيا وأن المجتمع الدولى اعترف بهذا الحق أخيرا فى قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1974. معنى ذلك أن توسع إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية خارج دائرة المخصص لها فى القرار لا يعد احتلالا عندها بل هو استرداد لحق كان ضائعا، وكان الفلسطينيون هم الذين اغتصبوا هذا الحق. ولذلك لا يهم ما خصص لهم فى القرار، وإنما المهم هو مبدأ الاعتراف لهم بالحق. هذا بالطبع افتراء على التاريخ واستخفاف بالوسط العربى وهيمنة على أصحاب القرار فى النظم الديمقراطية المختلفة، بدليل أن هرتزل فى كتابه "الدولة اليهودية" المقدم للمؤتمر الصهيونى الأول فى أغسطس 1897 فى مدينة بازل السويسرية كبرنامج عمل الصهيونية طرح بدائل لفلسطين وهى أوغندا والأرجنتين ولكن المؤتمر فى دوراته المتعاقبة تمسك بفلسطين، لأن الهدف الصهيوني لم يكن يعنيه المكان وإنما كان يعنيه تأكيد الفكرة وهى أن العنصر اليهودى العبقرى لا تطيقه العقول الأخرى البليدة ولذلك تضطهده والحل هو تجميع اليهود الأفذاذ فى مكان واحد، ثم تطورت فكرة القومية اليهودية، وتطورت فكرة الكيان الجامع لهم فى دولة يهودية.
فالاقاليم الفلسطينيةالمحتلة فى المفهوم العالمى هى مجرد مناطق عند إسرائيل، والقدسالمحتلة فى المفهوم العالمى هى العاصمة الأبدية والدائمة لإسرائيل. وأما الفلسطينيون فهم الغاصبون للأرض اليهودية لآلاف السنين، وأن اقتلاعهم بكل أصناف القوة من أرضهم وإبادتهم ليست جرائم، وإنما نضال وقصاص عادل، تماما كما كانت عصاباتهم "تجاهد" ضد الغاصبين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال الغاصبة حسب زعمهم، ولذلك صار زعماء هذه العصابات هم رجال الدولة فى إسرائيل ولم يبق من الرعبل الأول، جيل البناة سوى شمعون بيريز على قيد الحياة. فاسترجاع الأرض عن طريق الاستيطان بطرد الفلسطينيين، وابادة الشعب نفسه بصور مختلفة، لا تعد جرائم حسبما تقول اسرائيل، بل هى فضائل حسبما تقول إسرائيل والولايات المتحدة، ولذلك أمدتها واشنطن وألمانيا وبريطانيا وفرنسا ما يلزم الاله العسكرية الإسرائيلية فى حملات الإبادة التى قامت بها فى غزة منذ 2008 حتى عام 2014 وحتى الآن، بل إن حسنى مبارك احتفل بمحرقة غزة فى أواخر يناير 2009 فى شرم الشيخ قبل أن يتناول زعماء أوروبا العشاء مع أولمرت فى إسرائيل ويشربوا نخب انتصاره على "البرابرة" مساء نفس اليوم، ومن ثم شعر وزير خارجية مبارك، كنز إسرائيل الاستراتيجى، احمد أبو الغيط بالفخر لأنه رافق ليفنى وزيرة خارجية إسرائيل يوم 25 ديسمبر 2008 بعد اتفاقها مع مبارك على احراق غزة فى المؤتمر الصحفى الشهير فى رئاسة الجمهورية المصرية.
ثانياً: تحديات ومشاكل رفع الحصار أو كسره
وحصار غزة وخنقها واستمرار العدوان عليها واذلال شعبها، واغتيال قيادات المقاومة العظام ، واختطاف وسجن ربع الشعب الفلسطينى وتعذيبه وقتله، هو جزء من استراتيجية الابادة الشاملة للشعب الفلسطينى، كما أن جرائمها ضد أحرار الضفة والقدس لا تقل وحشية عن منهجها منذ ديرياسين وآلاف المذابح وأعمال الإرهاب التى امتلأ بها سجل الصهاينة فى فلسطين والأردن ومصر وتونس ولبنان وسوريا وغيرها من الاقطار العربية حتى استأنست معظم الدول العربية واخترقت أجهزتها، فصارت جرائمها تتم فى إطار المسافة الفاصلة بين الحكام وبين وأوطانهم وشعوبهم، مثلما كان يحدث دائما فى رفح وسيناء ضد الجنود المصريين، رغم أن الحاكم عسكرى وشهداء مصر معظمهم من الجيش، ولكنه تجاهل دماء زملائه واحبط كافة المحاولات الشعبية للقصاص لهؤلاء الشهداء. فحصار غزة، وهى إقليم محتل من الجو والبحر والحدود البرية بين إسرائيل وغزة، وصعوبة التواصل الفلسطينى فى معبر رفح مع مصر منذ يونيو 2007 والشقاق الكبير بين حماس والسلطة فيما سمى انقلابا عسكريا على الشرعية فى رام الله، وتواتر القصص حول التنسيق الأمنى بين إسرائيل والسلطة ضد حماس وأهل غزة، ومزاعم ضلوع السلطة مع إسرائيل فى العدوان على غزة حتى تعود إلى "أحضان الشرعية الفلسطينية،" ثم عزل د. محمد مرسى والصراع بين النظام الجديد والإخوان، ألقى بظلال كئيبة بين نظام مصر الجديد وحماس عانى منه أهالى غزة وفاقم مشاكلهم المعيشية خاصة وأن سلسلة العدوان الإسرائيلى على غزة أحدث دمارا يحتاج إلى إعمار، ومواد الإعمار تحتاج إلى فتح المعبر، وسط تعقيدات على الجانب المصرى.
وإذا كانت القرارات الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية المختلفة قد اعتبرت حصار غزة جريمة من جرائم النظام العام الدولى، فقد أكدت هذه القرارات خاصة فى إطار الجامعة العربية على ضرورة رفع الحظر. ولما كان رفع الحظر يعنى أن تقرر إسرائيل ذلك وهو ما لم يتحقق لعدم توفر الإرادة السياسية لقرارات رفع الحظر ذلك الحظر الذى يعتبر فى حالة غزةالمحتلة من جرائم الحرب، وأداة من أدوات الصراع، وجريمة ضد الإنسانية وعملا من أعمال الابادة الجماعية وفق معايير نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية فى ظل بيئة إقليمية متواطئة لأسباب ودوافع مختلفة، وكأن إفناء غزة صار قربانا لتحقيق أهداف الأطراف المتواطئة.
ولذلك لم يبق سوى كسر الحصار وتحدى إسرائيل، وقد جربت تركيا ذلك بمساندة أسطول الحرية الأول بقيادة السفينة التركية مافى مرمرة التى عصفت بها البحرية الإسرائيلية فى 31 مايو 2010. ولم تنجح الحملة الثانية فى الوصول إلى غزة، وتستعد حملة ثالثة للقيام بنفس المهمة.
وغنى عن البيان أن محاولات كسر الحصار تهدف إلى تزويد غزة ببعض ما يحتاج إليه اهلها فى ظل الحصار، كما تهدف إلى تذكير العالم بأن سكان غزة يتعرضون لإبادة منسقة شكلها الخارجى هو الحصار والعدوان والإذلال، والقضاء على قوى المقاومة، وتجفيف منابع الدعم العسكرى لها.
والمطلوب البحث عن استراتيجة شاملة تتجاوز الجهد الفلسطينى والمتعاطفين مع القضية من الأجانب، حيث تحكم إسرائيل إغلاق كافة المنافذ، كما تحكم مصر إغلاق معبر رفح، مع تصاعد التوتر مع حماس، واستعداء الشعب المصرى على الفلسطينيين عموما وعلى حماس خصوصا وإغلاق المعبر فى ضوء الإرهاب فى سيناء.
تشمل هذه الاستراتيجية الاجراءات الخمسة الآتية:
الإجراء الأول: قمة عربية إسلامية لغزة يتم فيها تسوية مشكلة معبر رفح بين مصر وغزة وتوقيع اتفاق مع السلطة ومصر وحماس لتأمين فتح المعبر وضمان ادخال مواد الإغاثة ومواد الإعمار تحت اشراف لجنة المعبر الممثلة للقمة.
الاجراء الثانى: تتعهد منظمات المقاومة العربية بعدم التحرش بإسرائيل من غزة وتثبيت اتفاق التهدئة، وابرام اتفاق مع واشنطن والاتحاد الأوروبى بمنع إسرائيل من العدوان على غزة مقابل احترام المقاومة للتهدئة ، الذي يترجمه الحديث عن الهدنة طويلة الاجل.
الاجراء الثالث: تحل السعودية والقمة العربية فى مساندة غزة واعادة إعمارها محل أى مساهمة إيرانية، وفك الارتباط بين غزة وإسرائيل وتزويدها بما يلزم من احتياجات وميناء ومطار وانتظام فتح معبر رفح، وتحقيق مصالحة حقيقية مع فتح وإطلاق المنافسة السياسية فى خدمة الشعب الفلسطينى والتصدى لأطماع إسرائيل بثورة شعبية تساندها القمة العربية.
الإجراء الرابع: تشرف لجنة القمة على حل مشاكل الفلسطينيين فى الدول العربية خاصة فى المخيمات فى دول الأزمات مثل سوريا.
الإجراء الخامس: تظل مشاكل غزة والشعب الفلسطينى بندا دائما فى كل الإعلام العربى، بحيث تنشأ دبلوماسية إعلامية عربية قوية تدافع عن القضية عموما والقدس خصوصا.
هذه الإجراءات تواجه خمسة تحديات لرفع الحصار بالاتفاق مع إسرائيل التحدى الأول: أن المقاومة صارت قاصرة على حماية غزة من العدوان الإسرائيلى، فإذا توقف هذا العدوان بضمانات صارت المقاومة بمثابة جيش وطني يمول تسليحها من الميزانية.
التحدى الثانى: هو أزمة العلاقة بين حماس ومصر وفك الاشتباك من خلال عقدة الإخوان المسلمين، فترفع عن النظام فى مصر حرج إغلاق المعبر رغم كل الدواعى الإنسانية والقومية بفتحه.
التحدى الثالث هو المتعلق بالصراع بين السلطة وحماس حيث تؤدى هذه النقاط إلى تسويتها.
التحدى الرابع : هو أن غزة دخلت فى إطار التنافس الإسرائيلى التركى، وتنفيذ هذه النقاط سيرفع الحرج عن تركيا ويخفف التوتر التركى الإسرائيلى.
من الواضح أن هذا البرنامج قد يكون مدخلا لانفراجة فى المنطقة، ومدخلا إلى مفاوضات مثمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما يؤدى إلى وقف توحش المشروع الصهيونى، وإنقاذ غزة، وفتح الطريق لتسوية القضية برمتها بما فيها القدس.
وطبيعى أن هذا البرنامج يرفع غزة والمقاومة من دوائر التقاطع بين إسرائيل وإيران، وإسرائيل وتركيا، والسعودية وإيران، ويرفع الحرج عن السعودية فى الصراع العربى الاسرائيلى، وينتهى مبرر وجود إيران فى ساحة هذا الصراع على الأراض الفلسطينية على الأقل، كما سيكون مدخلا ممتازا لمصالحة فلسطينية وإعادة بلورة القضية الفلسطينية.
ثغرات الاقتراح: قد يرى البعض فى هذا البرنامج مدخلا لتحقيق أهداف إسرائيل، وهى رفع الحصار مقابل إنهاء المقاومة وتجريدها من السلاح.