تلقي إيران بثقلها وراء نظام الأسد في مواجهته للاحتجاجات التي تهدد استمراره في الحكم. حتى في توصيفها للاحتجاجات، تبنى المسؤولين الإيرانيين الرواية الرسمية التي اعتبرت ما يجري في سوريا مؤامرة خارجية تدار بأياد داخلية هدفها النيل من دمشق ومواقفها السياسية. أما على الأرض فقد تواترت الأنباء عن دعم مادي وفني مباشر تقدمه إيران لقوات الأمن والجيش السورية، إلى الحدِّ الذي تحدث في بعض اللاجئين الفارين من العنف في بلادهم عن قوات إيرانية تشارك مباشرة في صد الاحتجاجات. وفهم الدافع وراء مثل هذا الدعم غير المُتَوَانِي يجد جذوره في العلاقات الإيرانيَّة–السورية، والتي كانت من الثوابت القليلة في سياسة الشرق الأوسط على مدار الثلاثين سنة الماضية، سعى الطرفان إلى إدامتها وتذليل العقبات التي عرَّضتها للخطر على منذ نشأتها. وعلى الرغم من توترها في أكثر من مناسبة، عادت من جديد بفعل مصالح ثابتة لكل من سوريا والجمهورية الإسلامية. لم تكن العلاقات بين البلدين سهلة، فقد بنيت حول مصالح متلاقية ومتعارضة في الوقت نفسه، إلا أن السلبيات العديدة التي تخلَّلَت كانت شاهدًا على قوتها. ولعل الموقف الدالُّ على البداية القوية لهذه العلاقات هو مساندة سوريا كالبلد العربي الوحيد لإيران في حربها مع العراق التي اندلعت عام 1980 واستمرت عشر سنوات. وهذا ينقلنا مباشرة إلى بعد أساسي من أبعاد العلاقة السورية-الإيرانية، ألا وهو العراق. فقد وفرَّت هذه الحرب فرصة لسوريا للحصول على حليف إقليمي في مواجهة العراق، ألا وهي إيران. ووفرَّت علاقات سوريا بإيران للأخيرة غطاء عربي لدورها الإقليمي وقدَّمت لها موطئ قدم على الساحتين العربية والعربية-الإسرائيلية. بمعنى من المعاني وضعت هذه العلاقات إيران في قلب الصراع العربي-الإسرائيلي، باعتباره ركنًا أساسًا في السياسة العربية والشرق أوسطية، وفتحت لها خطوط إمداد لحزب الله، الذي يمثل محور ارتكاز حقيقي لسياستها في المنطقة. وعلى الرغم مما به بأن هناك تضخيمًا حول كثافة العلاقات في المجال الاقتصادي على وجه التحديد، إلا أنه و بافتراض ذلك، فالعلاقات تشمل مجالات أخرى للتعاون وأولها وأكثرها إلحاحًا هو التعاون الأمني والعسكري. مع اندلاع حركة الاحتجاجات في سوريا، رأت إيران تهديدًا في ذلك كبيرًا؛ فسقوط النظام القائم في سوريا (العلوي)، يشكل انكسارًا ليس لسياستها فقط في سوريا ولكن في لبنان أيضًا حيث حزب الله، والشرق بأكمله. إلا أن ما ما يمثل خطرًا حقيقيًّا عليها هو احتمال قيام نظام آخر (يستند إلى الأغلبية السنية في سوريا) من المتوقع أن يكون قريبًا لغريميها السعودية وإيران. يؤدي هذا بإيران إلى الذهاب بعيدًا في دعمها للنظام السوري، حيث تذكر بعض المصادر التركية أن إيران هدَّدت المسؤولين الأتراك بمواجهة عسكرية ردًّا على أي تدخل عسكري تركي في سوريا، وبالفعل فقد ألمح الجنرال الكندي شارل بوشار - الذي قاد عملية الأطلسي في ليبيا - إلى في إشارة إلى إمكان تورط إيران في النزاع في حال حصول تدخل عسكري ضد سوريا. كما يعتقد طهران بدأت تضخ السيولة لدعم ميزانية لتجاوز آثار تشديد العقوبات الاقتصادية على النظام السوري. في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية الذي يمثل خطرًا حقيقيًّا على بقاء النظام في الحكم. وفي حين خففت المسؤولين من التأييد العلني لنظام الأسد تحت ضغط تدهور صورتها الذهنية لدى الرأي العام العربي، استمرت عمليًّا في تقديم المساعدات الفنية لقوات الأمن السورية التي تفتقر إلى خبرة في ضبط الحشود، وهو تعاون ليس وليد الأحداث المستجدة؛ فقد أنشأت طهران شبكات واسعة من العلاقات داخل جهاز الأمن السوري. كما تحدثت تقارير صحفية أمريكية عن تزويد إيران لسوريا ببعض المعدات لصد المحتجين، أجهزة مراقبة، فوفقًا لهذه التقارير زوَّد الإيرانيون نظام الأسد بتقنيات لمتابعة رسائل البريد الإلكتروني، الهواتف الخلوية، ومواقع التواصل الاجتماعي. حيث طورت إيران هذه التقنيات إبان الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها في أعقاب انتخابات الرئاسة عام 2009. وبالفعل فقد ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) أن المسؤولين الأتراك استولوا في مارس الماضي على بنادق خفيفة وقاذفات قنابل على متن طائرة شحن إيرانية كانت متجهة إلى سوريا التي تلقت أيضا شحنات أخرى تتضمن أجهزة متطورة لمراقبة الإنترنت. وأوردت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أميركيين أن إيران أرسلت مدربين ومستشارين، بينهم عناصر من قوة النخبة (القدس)، إلى سوريا للمساعدة في قمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية والتي تهدد بالإطاحة بأهم حليف لطهران في المنطقة. انهيار النظام سيُلْحق بالتأكيد أذىً كبيرًا بحلفائه، خاصة إيران وحزب الله، وسيؤدي ربما إلى تحولٍ في التوازن الاستراتيجي الإقليمي للقوى. وهي الحقيقة التي لا شك أن إيران تدركها تمام الإدارك، وتعمل سياستها بحسم على تجنبها.