سؤال هام للغاية، والإجابة عنه تفيدنا في معرفة ما يحدث الآن، وإلى أين تسير الأمور في مصر، وكيف تؤتي ثورة 25 يناير ثمارها؟ ربما لا يخفى على أحد أن حسني مبارك، على المستوى الشخصي، لا تتوافر فيه أي من مقومات الزعامة والقيادة، ولم تكن لديه أية خبرة بالسياسة حتى توليه الحكم عام 1981، وربما أيضا بعد توليه الحكم، وهذا ما قاله الكثيرون من المقربين منه، ومنهم الأمريكيون أنفسهم، وذكره الكاتب والصحفي الأمريكي الشهير "بوب وود وارد" في كتابه "الحجاب" عام 2008، حيث قال بوب في مقاطع مختلفة في كتابه "لم يعرف عن حسني مبارك أنه عمل يوما بالسياسة أو تأثر بالأحداث السياسية التي حفلت بها مصر مثلما كان الحال مع ناصر والسادات، وكان لا يهوى الاختلاط كثيرا بالآخرين، وكان مجرد طالب عادي في دراسته المدرسية والعسكرية. ورغم أنه عاصر أحداثا هامة مثل الحرب العالمية الثانية، وحالة الغليان في الجيش المصري في عهد الملك فاروق بسبب الهزيمة في حرب فلسطين، وشارك في حرب اليمن، وحرب 1967، و1973، إلا أنه ظل بعيداً بالكامل عن مناخ القلق السياسي الملتهب حوله، وربما لذلك السبب لم يهتم تنظيم الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر بضمه إلى صفوفه". ويضيف بوب "كان الجميع ينظرون لمبارك مثلما كانوا ينظرون للسادات في عهد عبد الناصر، شخص لا يفعل أي شيء سوى أن يردد كالببغاء «نعم» للرئيس، ومن يمكن أن يلومهم على هذه النظرة لمبارك؟ لقد كان نموذجا مثاليا لمستر «نعم» الذي يطيع رئيسه، لدرجة أن هنري كيسنجر وزير الخارجية عندما رآه لأول مرة بجوار السادات، لم يكن يخطر على باله تماما أن هذا هو الرجل الثاني في مصر". وكما انعدمت لدى مبارك الخلفية السياسية، لم تكن لديه أية خلفية ثقافية، وربما لم يقرأ في حياته كتابا أو قصة واحدة، وربما حتى لم يقرأ القرآن إلا في حالات نادرة، وهذا يتضح بجلاء من أحاديثه التي كان يستخدم فيها مفردات أقرب للغة الشوارع والحارات الشعبية منها حتى للغة العامية المهذبة، وكم من مرة كان كلامه يثير الضحك والسخرية، والغريب أن هذا الأمر كان يبهجه كثيرا. كيف يمكن لشخص بهذه المواصفات أن يحكم مصر ثلاثة عقود متواصلة؟ الحقيقة أن مبارك كان هو الشخص المناسب في التوقيت المناسب، وذلك بالطبع ليس لمصر وشعبها، بل لإسرائيل والولايات المتحدة، اللتين كانتا تعدان لتغييرات جذرية في المنطقة، بعد خروج مصر من معادلة الصراع مع إسرائيل بعد كامب ديفيد. لقد كان مطلوبا في مصر شخص عديم الخبرة بالسياسة ودهاليزها، لا يفكر ولا يعترض ولا يجيد المساومة وممارسة الضغوط، وينفذ ما يملى عليه، وكان بديهيا أن يحاط هذا الشخص بمؤسسات وأشخاص كثيرين من أصحاب المصالح الخاصة والعملاء والمنتفعين، وتتسع الدوائر لتشمل حتى نخبا سياسية وثقافية وعلمية وفنية ورياضية، وحتى قيادات ورموزا من المعارضة. وهكذا انعزل مبارك تماما عن واقع الشعب المصري، بينما بدا الأمر وكأن مصر كلها تلتف حول مبارك، وقد لعبت واشنطن وإسرائيل الدور الرئيس في بناء هذا الهرم لخدمة مصالحهما، وكان بديهيا في ظل هذا المناخ أن يطرح سيناريو التوريث من أجل الحفاظ على الهرم الكبير. لقد سقط مبارك، وسقط معه بعض الأحجار الكبيرة، لكن الهرم ما زال قائما هناك، حتى وإن أخفت رياح ثورة 25 يناير العاتية بعض معالمه، لكنه ما زال قائما، وما زال أصحاب المصالح الخاصة والمنتفعون والعملاء موجودين ويعملون في الخفاء والعلن في آن واحد، وما زال التدخل الأجنبي والدعم الأمريكي مستمرين من أجل الحفاظ على هذا الهرم على رأس مصر، ولن تؤتي الثورة ثمارها كاملة ما لم يتم تحطيم هذا الهرم تماما. نقلا عن البيان