كتاب سعوديون، بعضهم مقرب من دوائر صناعة القرار، تحدثوا عن ضرورة تنحية الخلاف حول الإخوان على حساب مصلحة المملكة مع تركيا منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، ظلت العلاقة بين السعودية وتركيا حبيسة اختلاف موقفهما من الأزمة المصرية. ومؤخرا ومع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية، خلفا لشقيقه الراحل الملك عبد الله، تواجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على الأرض السعودية في توقيت متزامن دون أن يلتقيا، وهو أمر كانت له دلالته، التي بدأت تعكسها مقالات صحفية لكتاب اشتهروا بأنهم من المقربين من دوائر صناعة القرار في المملكة العربية السعودية. وإذا كانت أغلب المقالات نشرت بالتزامن مع الزيارتين أو بعدهما، فإن مقالا نشر للكاتب جمال خاشقجي بجريدة "الحياة" يوم 31 يناير/ كانون الثاني الماضي بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم مهد لهذه الفكرة. مقال خاشقجي، والذي يعرفه المقربون من الوسط الإعلامي بأنه على اتصال بدوائر صناعة القرار السعودية حمل عنوان "لكل زمان دولة ورجال.. سياسة خارجية". وذهب الكاتب في مقاله إلى ضرورة العودة إلى ما يعرف ب"السياسة الاحتوائية"، التي تميزت بها السياسة الخارجية السعودية خلال عقود مضت، ونجحت بها في غير أزمة، وخير ما يشرح هذه السياسة هو «اتفاق الطائف» عام 1989، والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، حين جمعت الدبلوماسية السعودية الهادئة جميع الفرقاء اللبنانيين، حتى من أخطأ بحق السعودية. ودعا الكاتب في إطار هذه "السياسة الاحتوائية"، إلى علاقات قوية مع تركيا، مؤكدا أنه "من المصلحة المشتركة بين البلدين أكبر من مجرد خسارة حليف". وعقب زيارة الرئيسين المصري والتركي، كتب خاشقجي في صحيفة "الحياة" يوم السبت، مقالا تحت عنوان "سياسة شرق أوسطيّة جديدة من دون الإخوان". وقال خاشقجي بعد استعراضه حال منطقة الشرق الأوسط: "حال الشرق العربي المتهاوي لم تعد تحتمل هذه الصراعات العبثية، بل يجب إخراج عنصر الإخوان وكل صاحب هوى أو أطماع ضيّقة من معادلة صناعة موقف فاعل لوقف حال التداعي هذه". وتابع "الحق أن إقحام عنصر الإخوان في خطط مواجهة التداعي قبل عامين زاد من تفاقم الحال، وأدى إصرار بعضهم على إخراجهم من معادلات التغيير إلى تعطيل التعاون السعودي - التركي". ومضى بالقول: "هذا التعاون هو الوحيد القادر على وقف التداعي بحكم استقرار البلدين وقوّتهما، كما أدى إلى تفاقم الأوضاع في ليبيا واليمن وسوريا، وتهديد الاستقرار في غيرها، بينما كان يجب النظر إلى الإخوان على أنهم مجرد طرف بين أطراف، وإعطاؤهم حجمهم الطبيعي من دون مبالغة ولا تقليل، يفوزون في انتخابات ويخسرون في أخرى، لا أكثر ولا أقل، الأهم منهم هي الأوطان واستقرارها ". وفي الإطار ذاته، وقبل الزيارة، كتب الكاتب عبد الرحمن الراشد في 26 فبراير/ شباط الماضي مقالا تحت عنوان "هل تصبح تركيا حليفة" في صحيفة "الشرق الأوسط"، لام فيه على تركيا دعم جماعة الإخوان، والذي رأى أنها خسرت كثيرا بسببه. لكنه قال في الوقت ذاته إن "معظم الخلافات مع تركيا هامشية، وليست على مسائل استراتيجية، وإن تجاوز تركيا لهذه النقطة (يقصد دعم الإخوان) سيجعل لها دور مهم حيث إن بإمكانها إعادة التوازن الاستراتيجي، ببناء منظومة إقليمية جديدة، تمنع الفوضى والانهيارات والحروب". وقال: " في حال أبرمت إيران اتفاقا نوويا مع الغرب، فإن تركيا ستصبح قطبا ضروريا يمكن أن يعمل مع الأقطاب الرئيسية الأخرى لبناء حلف يوازن ويمنع التمدد الإيراني (الشيعي) في المنطقة، الذي يهددها أيضا". و كتب الكاتب السعودي خالد الدخيل في نفس الصحيفة يوم 1 مارس / آذار الجاري مقالا تحت عنوان "التحول السعودي والقلق المصري". وانتقد الكاتب في مقاله رغبة البعض في مصر ألا تتقارب السعودية مع تركيا، لأن الأخيرة تتعاطف مع الإخوان، ووصف الدخيل ذلك بأنه رغبة من البعض أن تكون العلاقة بين البلدين "شيك على بياض"، مشيرا إلى أن علاقات الدول لا تقوم على مثل هذه الرؤية، لأنها عاطفية وليست سياسية. وقال: "الرؤية السياسية الأكثر عقلانية تقول إن علاقات السعودية ومصر لا يجب أن تكون مرتهنة لا للموقف من الإخوان، ولا للموقف من تركيا، فإذا كان استقرار مصر هو مصلحة استراتيجية سعودية، وهو كذلك، فإن واجب السعودية أن تتعامل مع قضية الإخوان كمسألة محلية مصرية في الأساس، وأن تقاربها من زاوية تأثيرها على استقرار مصر أولاً، ثم تداعيات ذلك إقليمياً، وبالتالي عليها ثانياً". وأضاف "من الزاوية ذاتها، فإن استمرار السعودية في الابتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة، وهذه التوازنات هي الأساس الأول لاستقرار المنطقة، وبالتالي استقرار مصر". هذا التحول في الإعلام المقرب من السعودية كان أحد الشواهد التي استدل عليها الكاتب المصري فهمي هويدي في مقاله بجريدة "الشروق" المصرية يوم 3 مارس/ آذار الجاري في مقال للاستدلال على الحقيقة الذي ذكرها عنوان مقاله وهي أن هناك "رياح للتغيير في السياسة السعودية". وقال هويدي في مقاله: "حين زار الرئيس عبد الفتاح السيسي الرياض هذا الأسبوع في وجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمملكة، فإن الرئيسين لم يلتقيا حقا، ولم يتواجدا في العاصمة السعودية في الوقت ذاته (أردوغان ذهب لأداء العمرة)، إلا أن تنظيم الزيارتين في وقت واحد لم يخلُ من رسالة حرصت المملكة على توجيهها". وتابع هويدي "كانت خلاصة الرسالة أن وقوف الرياض إلى جانب مصر لا يعني مخاصمة تركيا، باعتبار أن سياسة المملكة في عهدها الجديد لها حسابات مغايرة ورؤية مختلفة لمستقبل الشرق الأوسط". جواد الحمد، مدير مركز "دراسات الشرق الأوسط" بالأردن (غير حكومي)، رأى العلاقات التركية السعودية تتجه إلى "الأفضل" خلال الفترة المقبلة . وفي تصريحات لوكالة الأناضول عبر الهاتف قال الحمد: "الزيارة الأخيرة للرئيس رجب طيب أردوغان ولقاؤه الملك سلمان بن عبد العزيز أعطت عدة مؤشرات أعتقد أنها استيراتيجية". ومضى بالقول "المؤشر الأول أن البلدين (تركيا والسعودية) يسعيان لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ووقف مسار الفوضي والانقسامات المجتمعية الطائفية واسعة النطاق، وهما يشكلان جديا كما بلغني وسمعت بالتواصل إلى مبادرات قوية ومتماسكة وشاملة لوقف جميع أنواع الصراع في المنطقة وخاصة مصر وسوريا والعراق واليمن". وبخصوص المؤشر الثاني لمستقبل علاقات الرياضوأنقرة أضاف الحمد "سينتقلان إلى مربع ثان وهو إعادة تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة والتعامل مع إيران وفق معادلات سابقة بوصفها دولة إسلامية مجاورة للبلدين وليست دولة مهيمنة". ومؤكدا تقوية العلاقات بين أنقرةوالرياض، مضى مدير مركز "دراسات الشرق الأوسط" قائلا: "أعتقد أن الزمن يتجه نحو تقوية العلاقات السعودية التركية وتصليبها واستشعار الجانبين أن مصالحهما المشتركة أصبحت تستلزم تشكيل نوع من التحالف غير الكامل على الأقل إزاء عدد من الملفات في المنطقة، وسينعكس هذا حكما على التبادل الاقتصادي والتجاري في فترة قليلة لاحقة". واستبعد الحمد تأثر علاقات أنقرةوالرياض بنظرة كل منهما للأوضاع السياسية في مصر، قائلا: "من حيث المبدأ الأوضاع في مصر تشكل عائقا لكن ما جرى من مباحثات موسعة بين الجانبين، والملف المصري تم تأجيله في مرة لاحقة لمزيد من التشاور والتواصل"، مشيرا إلى أنه يتوقع "حل كثير من الأزمات في المنطقة مع تقوية العلاقات السعودية التركية".