قبل أربعة أعوام، خرج مصريون على اختلاف توجهاتهم الفكرية والإيديولوجية رافعين شعار واحد: " عيش - حرية - عدالة اجتماعية"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، غير أن الشعار الواحد الذي جمعهم في هذا اليوم من عام 2011 داخل مكان واحد هو "ميدان التحرير"، ما لبث أن تحول لاحقا إلى شعارين داخل نفس الميدان في عام 2012، ثم تحول بعد ذلك إلى شعارات وأكثر من ميدان أعوام 2013 و 2014 و 2015. وشهدت الذكرى الأولى من الثورة عام 2012، مشاركة كثيفة من الشباب وقطاعات كبيرة من الشعب المصري، امتلأ بهم الميدان، حتى بات من الصعوبة المرور داخلة، غير أن هذه المشاركة على كثافتها، لم تكن المشهد اللافت، بقدر ما كان مشهد الانقسام الذي شهده الميدان. وزرعت بذرة الانقسام المجتمعي في مصر مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس من عام 2011، حيث تبنت جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من التيار الإسلامي خيار التصويت ب "نعم"، والذي كان يؤسس لانتخابات برلمانية يعقبها انتخابات رئاسية، ثم استفتاء على الدستور، بينما كان يفضل التيار المدني خيار "لا"، بما يعني أن خطوة إعداد دستور جديد، كانت ستسبق خطوتي الانتخابات البرلمانية والرئاسية. هذا الاختلاف، والذي اتهمت جماعة الإخوان المسلمين على إثره ، بأنها دعمت خيار "نعم" سعيا لحصد المكاسب السريعة من خلال الانتخابات البرلمانية، قبل أن تستعد الأحزاب السياسية الأخرى، تجلى بشكل واضح في الذكرى الأولى للثورة في 25 يناير 2012. وبينما كانت هناك آمالا معقودة على ذكرى الثورة لإعادة مشهد الوحدة تحت شعارات "25 يناير"، كان المشهد اللافت في الاحتفال بهذا اليوم، هو انقسام ميدان التحرير وسط القاهرة، إلى منصتين، إحداها تابع لجماعة الإخوان المسلمين، والأخرى تابعة لحركات سياسية أخرى من بينها حركة " 6 إبريل" الشبابية. وأقام الإخوان المسلمون منصتهم أمام مبنى مجمع المصالح الحكومية بالميدان، وانطلقت الأناشيد والأغاني الوطنية احتفالاً بفوزهم في انتخابات مجلس الشعب وبدء أولى جلساته قبل يومين من الذكرى، ورددوا هتافات تؤكد نجاح الثورة. وكانت المنصة الأخرى في الميدان تطالب بالقصاص والحصول على حق شهداء ورحيل المجلس العسكري، وتتهم جماعة الإخوان المسلمين بالتحالف معهم لتحقيق المكاسب السياسية. وأسفر مشهد الانقسام حينها عن مناوشات كلامية، تطورت إلى اشتباكات بين الطرفين، خلفت بعض الجرحى. لم يقدم البرلمان المنتخب حلولا تستأصل بذرة الانقسام، وبدأ يلوح في الأفق احتمالات حله بحكم من المحكمة الدستورية العليا، وهو ما دفع الإخوان حينها إلى التخلي عن وعدهم بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، وتم الدفع بمحمد مرسي، والذي فاز بالانتخابات الرئاسية في يونيو 2012. وأصدر مرسي قبل شهرين من الذكرى الثانية للثورة إعلانا دستوريا آثار غضب قطاع كبير من الشارع السياسي، وتم الدعوة لتظاهرات في ديسمبر من نفس العام لإسقاط هذا الإعلان، ودعا أنصار مرسي لتظاهرات داعمة في نفس المكان، لتقع اشتباكات بين الطرفين خلفت قتلى وجرحى من الطرفين. مهدت هذه الأحداث للذكرى الثانية لثورة 25 يناير في 2013، والتي كانت أكثر عنفا من الذكرى الأولى، رغم غياب الإخوان وأحزاب التيار الإسلامي عنها. وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين - حينها - أنها لن تنظم أو تدعو إلى فعاليات جماهيرية في ذكرى الثورة، لكنها ستطلق حملة تسعى للنهضة والبناء تحت عنوان " معا نبني مصر". وانطلقت الأحزاب المدنية في يوم الجمعة 25 يناير 2013 إلى ميدان التحرير، وتجمع معظم المتظاهرين بالمنطقة المواجهة لمجمع المصالح الحكومية بالتحرير ، مرددين العديد من الهتافات التي تعبر عن مطالبهم، ومن بينها "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"يسقط يسقط حكم المرشد"، و"يا رئيس الجمهورية فين وعودك الثورية". واندلعت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين في محيط الميدان، كما دارت اشتباكات بين الطرفين في محافظتي السويس والإسماعيلية، أسفرت عن مقتل 10 أشخاص في السويس والإسماعيلية وإصابة 476 آخرين بحسب وزارة الصحة. وأفاد التلفزيون المصري بانتشار قوات الجيش في شوارع السويس لتثبيت الأمن. وتقدم حينها مرسي في رسالة على حسابه عبر موقعي "تويتر" و"فيسبوك" بالعزاء للمصريين وتوعد بمحاسبة المسؤولين عن العنف. وقال مرسي: "أدعو جميع المواطنين إلى التمسك بالمبادئ النبيلة للثورة المصرية في التعبير عن الرأي بحرية وسلمية ونبذ العنف قولاً وفعلاً، كما أؤكد أن أجهزة الدولة ستبذل قصارى جهدها لحماية و تأمين المظاهرات السلمية". واستمرت نبتة الانقسام المجتمعي تنمو بشكل واضح، وصاحبها مشكلات حياتية شهدتها مصر، متمثلة في نقص المواد البترولية، والانقطاع المتكرر للكهرباء، وهو ما أدى إلى رفع مطالب برحيل النظام في 30 يونيو، قابلها اعتصام لمؤيديه في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة بدء يوم 28 يونيو. واجتمع وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي برموز من القوى السياسية ومعهم شيخ الأزهر وبابا الكنيسة لبحث الموقف، وخرج بيان في 3 يوليو يعزل مرسي، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور رئيسا مؤقتا، ووقف العمل بالدستور الحالي. واستمر أنصار مرسي في اعتصامهم بالميدانين دفاعا عن ما أسموه "شرعية الرئيس"، إلى أن قامت السلطة بفض الاعتصام بالقوة في 14أغسطس مخلفة مئات القتلى والمصابين، بحسب حصيلة رسمية. وتدخل الذكرى الثالثة للثورة، وهناك ما يشبه الثأر بين السلطة وأنصار مرسي الذين أعلنوا أنها ستكون نهاية لهذا النظام، الذي وصفوه ب " الانقلابي". وتدعو أحزاب سياسية مؤيدة للسلطة حينها إلى الاحتفال بالذكرى في ميدان التحرير، فيما دعا أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى اقتحام الميدان. وتتخذ الشرطة مدعومة بقوات من الجيش المصري إجراءات أمنية مشددة لتأمين الاحتفالات والحيلولة دون اقتحام أنصار مرسي للميدان، كما أقام الجيش المصري حينها احتفالا فنيا في المساء بهذه المناسبة. وبينما كانت هناك احتفالات في المعسكر المؤيد للسلطة، واجه الأمن بشده مظاهرات أنصار مرسي في كافة محافظات مصر، لينتهي هذا اليوم وقد سقط 103 قتيل، وأصيب 277، وفق موقع "ويكى ثورة"، وهو موقع متخصص في توثيق أحداث الثورة المصرية من 25 يناير 2011 حتى الآن. واختلف الحال بعض الشيء في الذكرى الرابعة للثورة أمس الأحد، حيث قررت الحكومة المصرية يوم الجمعة إلغاء الاحتفالات بذكرى الثورة حدادا على وفاة ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز. وأغلقت قوات الجيش والشرطة الميدان منذ مساء السبت أمام الاحتفالات والاحتجاجات، وسمحت لأنصار السلطات الحالية بالتظاهر لبعض الوقت في ميدان عبد المنعم رياض، القريب، فيما فضت مظاهرة رافضة لها اقتربت من الميدان. واتجه رافضو السلطات الحالية على اختلاف توجهاتهم للتظاهر في أكثر من مكان بعيدا عن ميدان التحرير، منها أحياء المعادي وحلوان، ومدينة 6 أكتوبر ومدينة نصر والمطرية ، وأسفرت هذه التظاهرات عن وفاة 19 شخصا بينهم شرطيا، وفق بيان لوزارة الصحة المصرية، ولا يزال العدد مرشحا للزيادة جراء الإصابات الخطيرة للعديد من الأشخاص واستمرار المظاهرات.