عندما تسألنى عن البلد التى تعشقها بعد مصر؟ أقول لك سوريا.. عندما تسألنى أى بلد تريد أن تزورها وترى شعبها وأرضها؟ أقول لك سوريا.. عندما تسألنى لماذا هذا الحب الولهان؟ أقول لك لا أعرف... ربما لأن حلم الوحدة كان معها، ربما لأنهم يعشقون عبد الناصر مثلما أعشقه.. ربما لأن روح العروبة أعلى عندهم وأنا محب لتلك الروح... ربما لأن كل من يتعامل مع السوريين يعرف أنهم يحبون المصريين... ربما عندما رأيتهم فى مسلسل باب الحارة، وجدت نفسى واحدا منهم قريبا من تلك الحارة، أشعر أن ما يحدث فى تلك الحارة يحدث فى كل حارات مصر.. ربما لأننا كانت صدمتنا واحدة فى 67 ربما. لأسباب كثيرة أعشق هذا البلد، واليوم أتحسر مثل ملايين العرب وهم يشاهدون الشعب السورى يسحق تحت عجلات وجنازير بشار الأسد. قلبى يعتصر وأنا أرى المئات يغتالون يوميا والصرخات عالية، ولا أحد يستجيب، وكأن العالم أجمع قد أصابه الخرس، وهو يشاهد شعبا يريد الحرية، فيجد فى المقابل الرصاص، ولا أحد يتحرك سواء عالميا أو عربيا، وإلى الآن لا أعرف لماذا هذا الخنوع لذلك الحاكم الطاغية؟ أليس هذا شعب تراق دماؤه كل يوم ونراه أمامنا على الشاشات؟ وعندما تحرك الملك عبد الله ملك السعودية بالأمس القريب، ليتخذ أول خطوة عملية ضد ما يحدث فى سوريا، أحسست بالراحة مع أن الخطوة جاءت متأخرة، وعندما تبعته الكويت والبحرين شعرت أن البداية بدأت، كون تلك الدول قررت سحب سفرائها من سوريا، للاعتراض على تلك المذابح، فهذا شىء عظيم، ولو أنه جاء متأخرا. الغريب أن القادة العرب الديكتاتوريين لا يتعلمون من دروس التاريخ لا البعيد ولا القريب، لذلك أنا فى أشد الاستغراب أن يتعامل زعيم مثل الأسد مع شعبه بهذه الطريقة، فى الوقت الذى رأى فيه نموذج تونس ومصر أمامه، ولم يستفد منهما، وإذا تصور الأسد أن الآلة الحربية التى يمتلكها عن طريق جيشه الخائن لشعبه يمكن أن توصله لبر الأمان، وأن الجيش بمرور الوقت لا يمكن أن يستمر هكذا فى قتل شعبه، ولا بد أن تأتى اللحظة، وأن يخرج الثوار من الجيش ليرجعوا مرة أخرى لصفوف شعبهم، يناضلون معه من أجل الحرية والديمقراطية. إننا فى العالم العربى بحاجه الآن إلى ديمقراطية حقة، يعترف فيها الحاكم بآدمية شعبه، وحقهم فى طلب الحرية، وما يحزننى وما يقلقنى فعلا هو الموقف المصرى تجاه أحداث سوريا، وأنا أخص هنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة المصرية، ولا أجد مبررا لهذا الصمت المروع من تجاهلهما الموقف السورى، وكيف يمكن لنا ونحن نقدم ثورة عظيمة للعالم كله، وهى ثورة 25 يناير، كيف يمكن لنا أن نسكت ونتغاضى عن دماء أشقاء لنا، وليسوا أى أشقاء، إنها سوريا ذلك البلد الرائع ذو التاريخ الحافل الذى ارتبط على مر الزمان بمصر، كيف لنا أن نصمت وكيف لم يتخذ المجلس العسكرى، بصفته المالك لمقاليد الحكم فى البلاد، قرارا بسحب السفير المصرى من سوريا؟ وكيف لم تتخذ الحكومة المصرية قرارا بالقيام بحملة دبلوماسية واسعة عربيا وعالميا ضد هذا النظام الفاشى؟ وكيف نصدق أنها حكومة ثورة وهى ترى ما يحدث فى سوريا دون رد فعل؟!! ثم نصل لموقف السيد نبيل العربى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذى أصابنا جميعا بصدمة فى شخصه، لأننا علقنا عليه كثيرا من الآمال فى القضايا المهمة للأمة العربية، كيف يرضى العربى على نفسه وتاريخه وكونه أول وزير خارجية لثورة مصر؟ كيف له أن يرضى أن يكون موقفه بهذا التخاذل؟ وكيف له أن يقابل الأسد ويخرج ليشكر فيه وفى إصلاحاته أمام الكاميرات وبينما هو واقف كانت الدماء تراق فى سوريا؟.. بأى منطق تحدث العربى ممجدا نظام الأسد، لا بد أن يعلم أنه بحديثه هذا قد فقد الكثير والكثير من قامته الكبيرة عند الشعب المصرى خصوصا، والعربى عامة، كنا نود من السيد الأمين العام فى بداية توليه منصبه أن يقف بجانب الشعوب، ولا يقف بجانب الحكام، كنا نريده أن يخرج، معلنا رفضه المجازر التى تحدث فى سوريا، ويطالب الأسد عند مقابلته بوقف تلك المجازر فورا، وعندما لا يجد منه قبولا عليه أن يخرج للرأى العام وهو بداخل سوريا، يخرج ليفضح ذلك الموقف، وعليه أن يطالب باجتماع عاجل على مستوى وزراء الخارجية العرب على الأقل، ليكشف لهم المأساة ويطالبهم بموقف قوى ضد ما يحدث فى سوريا، وأتمنى أن لا يكون الأسد قد أقنع العربى -بتاريخه الحافل وثقافته العالية وخبرته الطويلة- أقنعه أن ما يحدث فى سوريا هو من العصابات والشبيحة، وليست ثورة ضد الظلم، وإذا اقتنع العربى بذلك فبحق، سنكون أمام مأساة، لأن ما يقوله الأسد عن سبب قمعه الشعب السورى، بوصفه أن الأحداث جاءت نتيجة قيام العصابات والشبيحة بالهجوم على المواطنين، كلام فارغ، لا يمكن أن يصدقه طفل فى الصومال أو فى كوالالمبور. علينا جميعا أن ندرك أن هناك مأساة تحدث فى سوريا، وصمتنا العربى والمصرى خصوصا خيانة لهذا الشعب. نقلا عن التحرير