دعوات صعدت لرب الارض والسموات ، انطلقت من قلب خليل الرحمن يصاحبها الأمل ويزكيها العمل ويغلفها الاخلاص رغم شدائد الصحراء ومتاعب البناء ، استجيبت الدعوات فكان العمران والايمان ولطف الرحمن ، صنعت بيتا عتيقا ونبيا كريما وموسما عظيما ، في هذا الموسم ، يؤدي المسلمون مناسك الحج ، فيتقدمون من كل حدب وصوب ، من أطراف المعمورة ، بالبر والبحر والجو ، قاصدين الديار المقدسة ليطوفوا بالبيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا ، مشهد ضخم ، وميدان رحب ، يثج بالطائفين ويعج بالملبين ، لينة في طاعة الله أعضاؤهم ، خاشعة لأوامر الله قلوبهم ، تلهج بالذكر والدعاء ألسنتهم ، تعطر الجو والتاريخ أنفاسهم ، نشيد ثائر ، وهتاف صادق ، وشعار رائع .. لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك لبيك ، مظاهرة متلاطمة الأمواج للعباد الذين ذهبوا طاعة لله عز وجل يرجون رحمته ويخافون عذابه ، يحبون لقاءه ويوقنون في عطاءه ..!! هنا يتجلى في الأفاق شعاعا حانيا وعلاجا شافيا . انه الأمل ، الأمل الذي كان يصاحب إبراهيم عليه السلام عندما ادلهمت عليه الخطوب وتكاثرت علية الشدائد وتزاحمت امامه العوائق ، وأحاطت به الضوائق وهو يتحرك في صحراء جرداء لازرع فيها ولا ماء ، لا نفر فيها ولا ثمر ، لكنها أصبحت مقصد الضمائر الصالحة ومأوي القلوب الراغبة ، ومهوي الافئدة التائبة ، يجبي إليها من ثمرات كل شئ ، .. فلنتعلم أن الله تعالي يجعل من بعد الضعف قوة ومن بعد المرض صحة، ومن بعد العسر يسر، ومن بعد الخوف أمنا ويجعل من كل ضيق فرجا ومن كل هم مخرجا ....ها هو الخليل إبراهيم يودع ثمرة فؤاده ومهجة قلبه ، ولده إسماعيل ، وزوجته هاجر ، في مكان قفر لا زرع ولا ماء ، لا نفر ولا شجر ، وينطلق إلي ربه متطلعا إلي ثوابه ، ومؤملا في رضوانه ...! تستوقفه الزوجة المؤمنة المخلصة هاجر رضي الله عنها .. إلي أين ألله أمرك بهذا ؟ قال: نعم ، قالت: إذن لن يضيعنا ، طاعة لله مطلقة ، ويقين في الله ثابت ، وتوكل علي الله عظيم ، شعار رائع لمن يريد العمل لله ، لمن يريد أن يؤمل في الله لا في احد سواه ، لمن يريد اليقين في الله ، لمن يريد تعبيد الأرض لله ...!! وذهب إبراهيم ، وبقيت هاجر ومعها إسماعيل الرضيع ونفد الطعام ، ونضب الماء ، وعطش الرضيع ، وأخذت هاجر تمشي ذهابا وإيابا سبعة اشواط ، ترجوا ربها وتناجيه ، تسيغيث به وتدعوه ، حتى أنهكها الجهد ، فأرسل الله إليها ينبوع الرحمة في صحراء البأس ، قطرات الرأفة في بيداء العدم ، ماء طاهرا مطهرا هو شفاء من كل علة ، ودواء لكل داء ، طعام طعم وشفاء سقم ، انه ماء زمزم ، شرب منه إسماعيل ، وشربت هاجر ، وشرب إبراهيم ، وشربت الأمة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ...!! وخلد الله ذلك في القران ، العمل الذي قامت به هاجر ، والموقف الذي كانت فيه هاجر ، والأمة التي تنتسب إليها هاجر، تسعي الأمة كما سعت ، وتتعبد لله بما جاء ذكره في سورة البقرة إلي يوم الدين " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
وكانت التباشير الجالبة للأمل يتعلمه العلماء والدعاة ثم يعودون بعد الحج إلى بلدانهم وهم أشد حماساً لدعوتهم، وأكثر استعداداً للبذل والتضحية في سبيل دينهم ، فيتأثر بهم قطاع كبير من الحجيج يدفعهم الي تغيير حياتهم نحو الأفضل بمفارقة ما لديهم من عقائد مغلوطة وعادات مقيتة وسلوكيات منحرفة وتقصير في طاعة الله - عز وجل -، وليس هذا فحسب؛ إذ يتجاوز بعضهم أمر الاستقامة إلى الدعوة فيقوم بدور إصلاحي في مجتمعه يدعو فيه إلى الحق مناصراً أهله، ويقارع الباطل مجابهاً حزبه . رفع اسماعيل مع أبيه الخليل عليه السلام القواعد من البيت ليتعبد الناس لرب الناس إلي إن يرث الله الأرض ومن عليها " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم "(البقرة :127) . وفي هذا المكان المقفر وفي هذا الجو الموحش كان الدعاء الخالد لا لأنفسهما ، بل للأجيال من بعدهما ...!! الدعاء بالهدايه والتوبة وهذه أخلاق الكبار "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم "(البقرة/128) . ثم رجاء أخر " ربنا وابعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياتك ويذكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .." (البقرة/129) . يرجون الخير للأجيال من بعدهم ..!! ماذا كانت النتيجة ؟!! امل يتحقق وصبح يترقرق ..!! غلام ليس كأي غلام " فبشرناه بغلام عليم "(الصافات/101) !! وأمة ليست كأي امة " كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .." (آل عمران/110) . ونبي ليس كأي نبي "وانك لعلي خلق عظيم "(القلم/4) "..بالمؤمنين رؤف رحيم "(التوبة/128) . وعمل ليس ككل عمل بل بقي أفضل بقعة علي وجه الأرض "أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين"(آل عمرا 96) مكان اكثر امنا في هذه الدنيا "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا..."(البقرة/125) . " فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان أمنا... "(أل عمرن/97) . إنها دعوات الكبار وعزائم الأبطال وهمم الرجال ، ،إنها دعوات لا ترفضها السماء ولا يردها رب الارض والسماء ،لأنها ليست شخصية وإنما عامة ، لست وقتية وإنما مستمرة ، ليست لمصلحة بعينها وإنما لخيري الدنيا والآخرة .. اللهم ارزقنا حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.