حديثي عن غزة أكتبه لمن، هل للمحكومين، أم للحكام؟. المحكومون - وأنا منهم - ليس بيدهم شيء يفعلونه سوى الدعاء والغضب والصبر والإحباط والقهر والانسحاق والشعور بالدونية أمام عصابة استيطانية تمارس نازية أبشع مما فعله النازي الأصلي يوما فيهم كما يدعون سواء عن حق كامل أو حق مخلوط بالدعاية لتحقيق المكاسب ومواصلة الابتزاز. أما الحكام فهم ليسوا هنا، وليسوا معنا، وربما ليسوا منا، كأنهم صموا آذانهم، وأعموا أبصارهم فلا يسمعون صرخات أولئك الذين يفتك بهم ذئب صهيوني شرس، ولا يشاهدون حتى ما تنقله شاشاتهم الرسمية من مجازر تفوق كل ما جرى في أي عدوان سابق ، بل ران على قلوبهم، فلم يعودوا يشعرون بالمذبحة اليومية الممتدة والتي لا تعفي أحدا في غزة من الموت في أية لحظة. المحكومون إذا أرادوا تطوير الاحتجاج الفردي إلى جماعي والصراخ بصوت عال ضد النازيين فإن ذلك صار ممنوعا عليهم في سياسة الأنظمة التي تخشى على نفسها من مجرد الهتاف ضد إسرائيل وليس ضدها وهي إما مذعورة على عروشها من تطور الهتاف وتزايد من يهتفون، أو هي لا تريد إغضاب إسرائيل وتوتير علاقاتها بأمريكا. هناك عرب صامتون، وصمتهم أشد وطأة من التواطؤ نفسه، وهناك عرب يدعون أنهم يتحركون ويبادرون وهو مجرد ذر للرماد في العيون والقول إننا قمنا بواجبنا، وهناك عرب يتكلمون كثيرا ولا ينتجون شيئا مفيدا، وإذا كان هناك جادون ومخلصون في التحرك فإنهم يجدون آخرين يعملون لإفشالهم، أي أن هناك حربين: الأولى دموية يشنها المجرم الصهيوني، والثانية: إعلامية سياسية تشنها أنظمة على بعضها البعض على ريادة وزعامة وقيادة وأدوار فيتقاتلون بالكلمات والاتهامات والانقسامات وتخرج إسرائيل مستفيدة أيضا من تلك الحرب العربية الطفولية القبائلية. أتابع على الشاشات مسؤولين يخرج كل واحد منهم ممتطيا الميكرفون مدفوعا بشهوة الكلام فيبرئ نفسه من التخاذل ويلقي بالتهمة في وجوه الآخرين، وبالتالي نجد الجميع أبرياء ومناضلين، ونجدهم كلهم أيضا متهمين منسحبين متخاذلين. ألم تستفز دماء 1360 شهيدا و7700 جريح حتى اليوم تلك الأنظمة لتلقي خلافاتها جانبا أمام تلك المقتلة الكبرى وتخرج في صحوة ضمير وعروبة بموقف موحد وقوي ضد إسرائيل وأمريكا وأوروبا وهو أضعف الإيمان وتسمح للشعوب بالاحتجاج ليكون ذلك تعبيرا عن غضب جماعي رسمي وشعبي ليحسب لهم موقف محترم في دنياهم؟. واضح أن الدم لا يستفز أحدا لأن أعدادا مماثلة وأكثر سقطت وتسقط يوميا في بلاد العرب وتحت الحكم الوطني وبحراب رسمية أو بحراب متصارعين على السلطة وبالتالي كيف يتعاطفون مع الشقيق البعيد، إذا لم يكونوا يعبأوا بدم الابن والشقيق القريب المؤتمنين على دمائه وحياته؟. صرت لا أجد كلاما أقوله في نعي العرب والعروبة وصرت اندهش من أنظمتنا وأنا أطالع توالي بلدان أمريكا اللاتينية في تجميد علاقاتها مع إسرائيل وسحب سفرائها من تل أبيب : البرازيل وكولومبيا والأورجواي وتشيلي والبيرو والسلفادور حتى الآن، وهم أبعد ما يكونون عن غزة، لكنهم أقرب ما يكونون إليها في الإنسانية ، بينما لم يتخذ نظاما عربيا موقفا مماثلا، سحب سفراء علنيين أو سريين، قطع علاقات تجارية خفية، إيقاف كل أشكال التعامل والتعاون السري، فهل تكون أنظمة أمريكا اللاتينية أكثر عروبة من العرب أنفسهم؟ آه أيها العرب، وآه من زمن الهوان، وآه من العودة إلى ما هو فوق الاستبداد والطغيان. لمن نتحدث ؟. لله. ولمن نشكو؟. لله . ولا حول ولا قوة الا بالله. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.