بدأ القطاع الصحي في موريتانيا أمس الخميس إضرابا مفتوحا عن العمل احتجاجا على عدم تلبية الحكومة مطالبه، وخصوصا ما يعرف منها بعلاوة الخطر التي سبق أن فجرت أزمة بين الحكومة وهذا القطاع، قبل أن تستجيب الحكومة جزئيا بمنحها للأخصائيين دون غيرهم. ومنذ ذلك التاريخ تحولت "علاوة الخطر" إلى قوة حفز لهذا القطاع باعتبارها من أهم المطالب لأن الأطباء بمختلف أنواعهم ومستوياتهم معرضون لمخاطر العدوى بدرجات متفاوتة، ومستويات مختلفة، وسبق لبعض الممرضين أن لقوا حتفهم في أوقات سابقة بسبب ما قيل حينها إنه انتقال لعدوى بعض الأوبئة التي تنتشر من حين لآخر. وتباينت تقديرات الجهات المعنية بالإضراب بشأن مستوى نجاحه، ففي حين أعلنت نقابات الأطباء أن نسبة نجاح الإضراب وصلت في اليوم الأول إلى 100% في العاصمة نواكشوط، ونحو 80% في مقاطعات ومدن الداخل، أكدت الحكومة الموريتانية أن تلك النسبة لم تتجاوز ال30% في عموم البلاد. البداية ويأتي إضراب القطاع الصحي في سياق سلسلة إضرابات واحتجاجات ومظاهرات بدأتها الطبقة العاملة الموريتانية قبل نحو شهرين ضمن حراك منفعل بما يجري في عدد من الدول العربية، وتغذيه الأوضاع التي تعيشها هذه الفئة والتي يصفها المعنيون بالمأساوية وغير القابلة للاستمرار. ويعتبر إضراب أمس حلقة من التدافع والمغالبة بين نقابات القطاع الصحي والحكومة التي أقالت في وقت سابق وزيرها للصحة الشيخ ولد حرمة بعد سلسلة معارك وأزمات مع نقابات القطاع.وبسبب تردي الأوضاع الصحية في البلاد، هجر عدد كبير من الأخصائيين البارزين المستشفيات الحكومية وأنشؤوا عيادات خاصة باتت -رغم غلائها ومحدودية خدماتها- الملجأ الأساسي للمرضى الموريتانيين في ظل انهيار الأوضاع داخل المستشفيات الحكومية، وانتشار الإهمال وغياب الرعاية الصحية، وتردي أوضاع العاملين فيها ماديا وتدريبيا. كما أن فئات واسعة من الشعب الموريتاني -بمن فيها تلك الفقيرة- صارت تلجأ للدول المجاورة (السنغال، وتونس، والمغرب) بحثا عن التداوي في ظل فقدان الثقة بشكل شبه كامل في القطاع الصحي الذي يعاني من نقص في الكوادر يقدر ب40%، وعقود من الإهمال والتهميش، وانتشار الأدوية المزورة في عموم البلاد. البعد السياسي تقود إضرابات القطاع الصحي نقابات منضوية تحت لواء كونفدراليات نقابية كبرى تصنفها السلطات الحاكمة باعتبارها معارضة ومقربة من بعض القوى والأحزاب المعارضة في البلاد. وكانت هذه الكونفدراليات قد كثفت نشاطاتها الاحتجاجية في الشهرين الماضيين للمطالبة بزيادة الأجور، وتحسين أوضاع العمال، وفتح حوار شامل بشأن سبل الخروج من الأزمة الاجتماعية، قبل أن تتوجه نقابات الصحة بشكل خاص للدخول في إضراب مفتوح وشامل. وتقول الحكومة إن مطالب هذه النقابات موجهة سياسيا، وإن تحرك الكونفدراليات يأتي غالبا بالتزامن مع تحرك المعارضين السياسيين حيث لا تمثل هذه النقابات سوى أذرع عمالية لتلك الأحزاب المعارضة رغم نفي النقابات هذه الاتهامات. ويتوقع أن يتصاعد إضراب القطاع الصحي في الأيام القادمة بهدف تكثيف الضغط على الحكومة للوفاء بالتزاماتها بشأن مطالب هذا القطاع في حين ينتظر أن تلجأ الحكومة لفتح حوار مع قادة النقابات بهدف وضع حد للإضراب خصوصا أن النقابات وبحسب قادتها لا تطالب في موضوع علاوات الخطر بأكثر من تفعيل اتفاق مع الحكومة في العام 2009. بالمقابل لا يتوقع أن تتجه الأمور نحو تصعيد شامل على غرار ما يحدث حاليا في بعض الدول العربية بحكم أن الإضراب الحالي ينحصر في قطاع واحد هو قطاع الصحة، وأن محاولات إطلاق ثورة شعبية أو احتجاجات شاملة في البلد من قبل بعض القوى الشبابية والجهات السياسية ما زالت تواجه بعقبات قوية فضلا عن أن