وزير الدفاع الأمريكي هو ثاني مسئول رفيع يأتي إلي القاهرة بعد الثورة فقد سبقته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ، التقي جيتس بالطبع المشير محمد حسين طنطاوي وتناول معه أمران علي الأقل الأول الوضع باتجاه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وقد أكد المشير أن مصر ملتزمة بمعاهدة السلام ، الثاني هو الوضع في ليبيا وإمكانية مشاركة مصر في دعم الثوار في الشرق بأسلحة خفيفة وقد حاول وزير الدفاع الأمريكي في زيارته المفاجئة أن يضغط علي مصر لجرها إلي ساحة الصراع الليبي بيد إن المجلس العسكري الأعلي بقيادة المشير طنطاوي أوضح أن الأولوية الأولي بالنسبة له هو المصريين الموجودين في ليبيا والذين يبلغ عددهم في بعض التقديرات مليونين ونصف مليون ، عاد منهم عشرات الآلاف . تحدث جيتس عن استمرار المعونة الاقتصادية والعسكرية لمصر ، وبدا أن هذه المعونة يستخدمها وزير الدفاع الأمركي كعنصر ضغط علي مصر خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي للبلاد وتراجع دخل السياحة المصرية ، لا يمكننا أن نتغافل عن الخطوة الجغرافية التي نقلت وزير الدفاع الأمريكي من مصر بعد يومين إلي الكيان الصهيوني حيث تدق حكومة نتنياهو طبول الحرب باتجاه غزة ، بيد إن شن حرب علي غزة ليس أمرا ميسورا في ظل التوترات الجديدة التي تشهدها المنطقة من تغيرات كبيرة في مصر وتونس واليمن وحتي سوريا ذاتها التي تواجه اضطرابات في عدد من المدن بدأت من درعا في الجنوب طالب الناس فيها بالحرية وتعرض للقتل في بعض التقديرات ما يزيد علي مئة مواطن ، ومن ثم فإن الحالة الثورية العربية تفرض علي إسرائيل التردد في شن حرب علي غزة كتلك التي شنتها في عام 2009 ، لأن ذلك سوف يربك المجلس العسكري في مصر الذي يحكم البلاد منذ 11 فبراير كما أنه سوف يفتح الباب واسعا للقوي الاجتماعية والسياسية الجديدة وعلي رأسها الإخوان المسلمون لتوظيف الحدث ومن ثم تجييش الناخب المصري ضد إسرائيل ، كما أن القوي الثورية في العالم العربي بشكل عام لا تشعر بالراحة لاستمرار الأوضاع التي كانت عليها في عصر ما قبل الثورات وفي مصر علي سبيل المثال فإن هذه القوي الثورية لا تشعر بالراحة تجاه علاقة مع إسرائيل تبدو مصر فيها طرفا ضعيفا سواء علي مستوي بيع الغار المصري لإسرائيل أو استمرار فرض الحصار علي قطاع غزة واستمرار إغلاق معبر رفح أو حتي استمرار معاهدة السلام بالصيغة التي كان يطبقها بها عصر مبارك . المثير في زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلي القاهرة هو مناقشته مسألة الأحزاب السياسية سواء مع رئيس الوزراء المصري أو مع المشير طنطاوي حيث طالب بإعطاء مساحة أطول للأحزاب السياسية الحديثة أن تكون نفسها وتأخذ مهلة تستطيع فيها أن تنافس علي الانتخابات البرلمانية القادمة في شهر سبتمبر بقوة ، وهناك مخاوف ناقشها جيتس مع المسئولين المصريين حول أن جماعة الإخوان المسلمين ربما تكون هي القوة الوحيدة المنظمة القادرة علي خوض الانتخابات البرلمانية القادمة ومن ثم فإن السماح للقوي السياسية الجديدة بمنحها وقتا أطول قد يمكنها من المنافسة مع الأخوان المسلمين أو ربما تحجيم قوتهم . تحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية في ظل الوضع الجديد في مصر أن تحافظ علي الوضع الإقليمي في المنطقة بما لا يعرضها لهزات كبيرة في ظل وضع ثوري قلق ومضطرب خاصة فيما يتصل بالعلاقة الاستراتيجية بين مصر الدولة الكبيرة وبين إسرائيل بحيث تظل معاهدة السلام ماضية في طريقها لا تتعرض للاهتزاز ، أي أن أمن إسرائيل لا يزال أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة وعلي الجانب الآخر فإن أمريكا تضغط باتجاه وقف أية حماقة إسرائيلية في غزة لأن ذلك لن يجعل مصر تقف مكتوفة الأيدي ، كما أن الجدل الداخلي المصري للقوي الثورية هو ضد إسرائيل ومن ثم فإن استمرار سياسة الغطرسة القديمة لن تمر بدون تعقيب وربما عقاب . لا يمكن لمصر أن تتحمل حربين في وقت واحد علي حدودها في الشرق والغرب ، الحرب التي يهدد بها الكيان الصهيوني علي غزة والحرب التي يشنها التحالف علي القذافي ، ومن ثم فإن رسالة جيتس كانت إلي مصر بتطمين إسرائيل علي استمرار معاهدة السلام مع مصر وفي نفس الوقت بكبح جماح قوي التطرف فيها من أن تفكر في شن حرب علي غزة ، صحيح أن الأوضاع الداخلية المتعلقة باستمرار التعاون الدفاعي بين البلدين كان أحد الموضوعات ومناقشة وضع القوي السياسية والاجتماعية الداخلية كان موضوعا ثانيا ، بيد إن المهمة الرئيسية للزيارة كانت محاولة ضبط إيقاع الوضع الإقليمي بحيث يضع في اعتباره الحالة الثورية العربية فأمريكا لا يمكنها مواجهة الثورات في البلدان العربية وتفجر الوضع الإقليمي في نفس الوقت .