استقبلت القوى السياسية وقضاة ومحامون بارتياح أمس قرار منصور العيسوي وزير الداخلية بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة بكافة إداراته وفروعه ومكاتبه بجميع محافظات الجمهورية، واعتبروه أحد أهم إنجازات ثورة 25 يناير، بعد مطالبات شعبية واسعة بإلغاء الجهاز الأمني سيء الصيت، وإن أبدوا ردود فعل مشوبة بالحذر من "الوريث" المتمثل في (قطاع الأمن الوطني) الذي سيختص بالحفاظ على الأمن الوطني والتعاون مع أجهزة الدولة المعنية لحماية وسلامة الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب, وذلك وفقًا لأحكام الدستور والقانون ومبادىء حقوق الإنسان وحريته، ليؤدي دوره في خدمة الوطن دون تدخل في حياة المواطنين أو ممارستهم لحقوقهم السياسية. وقال الدكتور حسن نافعة، المنسق العام السابق ل "الجمعية الوطنية للتغيير" ل "المصريون" إن القرار كان يمثل أحد أهم مطالب القوى الوطنية المشاركة في ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، وأضاف أن يأمل في ألا يكون القرار عائدًا إلى الضغوط الشعبية وحدها، وأن يكون ناجمًا عن قناعة من وزير الداخلية بحجم التجاوزات التي ارتكبها جهاز مباحث أمن الدولة بحق الوطن والمواطن. وشدد نافعة على ضرورة أن يتم تأهيل وتدريب الضباط الجدد الذين سيشكلون هيكل "قطاع الأمن الوطني"، خاصة وأن العرف جرى طوال العقود الماضية على ازدراء المواطنين واستخدام آليات الرعب والإرهاب من قبل "أمن الدولة"، وهو ما لن يقبل به أحد خلال المرحلة القادمة. فيما طالب الدكتور عبد الله الأشعل مؤسس حزب "مصر الحرة" وزارة الداخلية بضرورة الالتزام بإبعاد الجهاز الجديد عن حياة المواطنين وعدم تجاوز صلاحيته التي سيتم منحها له، فضلاً عن ضرورة إخضاعه للإشراف قضائي، حتى لا يتحول لدولة داخل الدولة كما حدث مع جهاز أمن الدولة. ودعا إلى آلية واضحة تسمح للمواطنين بالتقدم بشكاوى حال حدوث أي تجاوزات من جانب الجهاز الجديد الذي طالبا بإبعاده بشكل تام عن الحياة السياسية عبر نصوص واضحة تحدد مهامه وحتى لا يستغل البعض أي غموض للالتفاف عل دوره المنوط به وتجاوز الصلاحيات المحددة له. وشاطره الرأي الدكتور محمد أبو الغار العضو البارز بحركة "9مارس لاستقلال الجامعات" مؤكدا على ضرورة إبعاد الجهاز الجديد عن جميع مؤسسات الدولة المدنية، لاسيما وأن تدخل "أمن الدولة" بالجامعة وفي الحياة السياسية قد أفسدهما معا، مشددا على أهمية تأهيل كوادر ضباط القطاع الجديد على ثقافة حقوق الإنسان. أما المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر السابق فنسب الفضل في ذلك إلى ثورة 25 يناير التي كانت وراء القرار منذ البداية، وقال إنه يحسب للثورة التي أسقطت قمع مبارك وجهازه الأمني وعلى رأسه "أمن الدولة" الذي وصفه ساخرًا ب "جهاز أمن مبارك وأسرته". وأوضح أنه في أول لقاء له وبعض شباب 25 يناير مع وزير الداخلية الجديد وحتى قبل أن يؤدي اليمين خلال اجتماع معه بنادي "المقاولون العرب" إنهم لن يرضوا بديلا عن بإلغاء جهاز "أمن الدولة" وليس هيكلته. وطالب عبد العزيز بأن يعمل جهاز "الأمن الوطني" الذي ورث "أمن الدولة" في النور، وأن يتم الإعلان عن أعضاء هذا الجهاز وليس أسماء حركية، إلى حد المطالبة بأن يكتب كل ضابط من ضباط هذا القطاع الجديد على ملابسه اسمه الثلاثي، محذرا من حدوث أي انتهاكات مع المشتبه بهم خلال التحقيق معهم، كأن يتم تعصيب أعينهم، أو يتم التنكيل بهم. وشدد على أهمية إلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ نحو 30 عامًا، وكافة القوانين والصلاحيات التي كانت تعطي لجهاز "أمن الدولة"، وإلغاء نيابة أمن الدولة أيضا، معتبرا أن تفعيل الرقابة علي القطاع الجديد من جانب الجهات القضائية والنيابية من أهم الشروط الواجب توافرها في المرحلة المقبلة، وأنه لابد من تفعيل حركة التنقلات بشكل مستمر وإعلان أسماء ضباط وقيادات الجهاز الجديد وأماكن تواجده، وأن لا يكون في المكان الخاص به أي حجز أو سجن أو أداوت تعذيب. وطالب بمحاكمة كافة الضباط الذين تلوثت أيديهم بدماء المصريين وقاموا بتعذيبهم، وأن يتم تسريحهم من الخدمة وإحالتهم جميعًا إلى المعاش، لأنهم لن يحسنوا معاملة الشعب ولن يصلحوا لمعاملة الشعب من الأساس في أي من مؤسسات الدولة. كما طالب أيضا بحرق كافة أشرطة التجسس والتلصص والملفات الخاصة بالحياة الخاصة بالمواطنين التي وجدت في مقار أمن الدولة، وهدم كافة السجون الموجودة بمقار جهاز أمن الدولة سابقا أو الرقابة الإدارية أو أي مكان آخر غير معلوم. ودعا إلى ضرورة تفعيل الدور الرقابي لوكلاء النيابة في التفتيش على الأقسام والسجون، معتبرا أن كل تلك الشروط والضمانات من الممكن أن تحول دون أن ينحرف الجهاز أو القطاع الجديد الذي تم استحداثه لنصبح أمام أمن دولة جديد بصورته القديمة. بدوره، قال المحامي مختار نوح، والناشط السابق بمنظمة العفو الدولية، إنه لا يهمه الأسماء وإنما المهم ألا يخرج الجهاز الجديد عن النطاق المحدد له قانونا، وهو حماية الأمن الذي أناط الدستور به الشرطة والقوات المسلحة، وأن لا يستخدم الأمن استخدامًا سياسيًا، أيا كان الوضع، وكذلك الحال للقضاء والجيش، فيجب أن تكون الداخلية بعيدة كل البعد عن السياسة وأن تلتزم بمهمتها الأساسية المنصوص عليها في الدستور ألا وهي حفظ السلام الداخلي فقط. واعتبر نوح أن الضمان الوحيد حتى لا يتحول القطاع الجديد مع الوقت إلى "أمن دولة جديد" هو أن يعمل الشعب على الحفاظ على ثورته وأن تظل الثورة تحت الطلب عند مخالفة القانون، مؤكدًا أن الشعب المصري لو كان أفاق منذ وقت طويل وقام بثورته ما استبدنا الحكم البوليسي بهذا المستوي من الاستبداد ولما ضاع علينا هذه المليارات. وإضافة إلى ذلك، أكد أهمية تفعيل الدور الرقابي على الجهاز الجديد وكافة الأجهزة الأمنية الأخرى، بعدما رأى أن الدور الرقابي خلال العهد السابق كان متواطئا، بسبب تدخل رئيس الجمهورية فيه، وتوظيفه توظيفا سياسيا. لكنه قال "لن نستطيع أن نضمن استمرار هذا الدور الرقابي دون ثورة تحميه"، ولا يجوز الاعتماد علي الدور الرقابي الورقي الذي طوع من قبل الرئيس السابق ونظامه بدءا من الجهاز المركزي للمحاسبات وانتهاء بالنيابات المتخصصة التي طوعها لصالحه، بل في قيام "الثورة" بالدور الرقابي الحقيقي. إلى ذلك، استقبل منصور العيسوي وزير الداخلية في مكتبة أمس، بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان للحديث حيث تطرق اللقاء إلى القضايا الحقوقية وأسلوب الأمن في التعامل مع المنظمات الحقوقية، وأيضًا في قرار حل جهاز أمن الدولة وتقصي حقيقة السياسات والتوجهات والقرارات التي اتبعتها الوزارة قبل وما بعد ثورة 25 يناير. واقترح حسن في اللقاء الذي حضره اللواء إبراهيم حماد مساعد الوزير على زير الداخلية القيام إجراء تحقيق داخلي مواز، ليس بديلاً عن التحقيق الجنائي ولا عن تحقيق سياسي تقوم به هيئة تحقيق مستقلة، كما طالب الوزير بفتح قنوات اتصال مؤسسية دائمة بين مكتبه ومنظمات حقوق الإنسان، وأيضا مع مديريات الأمن فى المحافظات وكذلك أقسام الشرطة. وأبدى العيسوي ترحيبه بهذا الاقتراح وكذلك باقتراح عقد اجتماع جماعي مع منظمات حقوق الإنسان. وصرح بهي الدين حسن، أنه خرج من الاجتماع بانطباع إيجابي عن توجهات وزير الداخلية، بخاصة موقفه النقدي الواضح تجاه سياسات وتوجهات الداخلية فى الفترة السابقة، واهتمامه بإقامة علاقة مؤسسية مع منظمات حقوق الإنسان. وأوضح أنه سيقدم للوزير خلال أيام مذكرة باقتراحات مركز القاهرة لحقوق الإنسان بخصوص قضية الإصلاح الأمني، بما في ذلك تصور للعلاقة المؤسسية مع منظمات حقوق الإنسان.