زيارة المشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والسفير نبيل فهمى وزير الخارجية الى روسيا مؤخراَ والتقاؤهما بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين ووزيرى الدفاع والخارجية الروسيين هى زيارة تاريخية بكل المقاييس و لها دلالات كثيرة وتحمل فى طياتها العديد من الرسائل الموجهة. لعل أهم هذه الدلالات والرسائل على الإطلاق هى عودة الحضور الروسي مرة أخرى الى منطقة الشرق الأوسط من خلال البوابة المصرية ، بعد أن أَزيحت على مدى أكثر من عشرين عاماَ منذ انهيار الإتحاد السوفيتى وتربع الولاياتالمتحدة على عرش الكرة الأرضية منفردة. الزيارة ايضاَ هى مقدمة لإعادة العلاقات العسكرية بين مصر وروسيا وعودة السلاح الروسى الى مصر ، بعد أن ظلت الأخيرة أسيرة للتعاون العسكرى مع الولاياتالمتحدة منذ التوقيع على اتفاقية السلام بينها وبين اسرائيل فى عام 1979، والتى بموجبها أعطت واشنطنالقاهرة معونة عسكرية ومعدات حربية وأسلحة بمقدار 2 مليار دولار سنوياَ ، وقد تم وقف هذه المعونة فى شهر أكتوبر الماضى نتيجة للأحداث التى أعقبت ثورة 30 يونيو وموقف الإدارة الأمريكية – الداعمة لتنظيم الإخوان – منها. فقد تم الإتفاق خلال هذه الزيارة على عقد صفقة أسلحة روسية الى مصر تقدر بأكثر من مليارى دولار، بالإضافة الى اجراء مناورات تدريب مشتركة بين البلدين فى شهر مارس المقبل فى المجالات الجوية والبحرية والبرية، واستقبال العسكريين المصريين للدراسة فى المعاهد والجامعات والأكاديميات العسكرية الروسية. نستطيع أن نجزم أن روسيا – خلال هذه الزيارة - باركت ترشيح المشير عبدالفتاح السيسى للإنتخابات الرئاسية المصرية- قبل حتى أن يعلن الأخير ترشحه رسمياَ- من خلال كلمات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للمشير السيسى الذى هنأه خلالها على قرار ترشحه لرئاسة مصر معتبراَ – والكلام على لسان بوتين – أن السيسى قادر على توحيد الشعب المصرى. تدل هذه الزيارة على أن هناك تطابق وتوازن فى مستوى الزيارات بين البلدين، وهى تعتبر رد على الزيارة التى قام بها وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين الى مصر فى نوفمبر الماضى، واعتبرها ايضا استكمالاَ للدعم والتأييد الروسى لثورة 30 يونيو ولخارطة الطريق التى أعقبتها، خاصة أن روسيا من أوائل الدول التى صنفت تنظيم الإخوان كتنظيم "ارهابى". تأتى هذه الزيارة لتعيد التوازن مرة أخرى الى علاقات مصر الدولية و سياستها الخارجية – التى تم اعادة صياغتها وتشكيلها مرة أخرة عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو – ولتتحرر من أسر التبعية للولايات المتحدة التى عاشت فيها لعقود طويلة، وتؤكد سيادة و استقلالية القرار المصرى، وتصحح الأخطاء التى أوعقتنا فيها النظم السابقة. ولانستطيع أن نستبعد البرود والجفاء التى تمر به العلاقات المصرية الأمريكية حالياَ من مضمون واطار هذه الزيارة، فالزيارة هى رسالة مصرية واضحة وخالصة جدا إلى الولاياتالمتحدة بأن القاهرة لديها تنوع فى علاقتها الدولية وأن أمريكا لم تعد هى حليفها الإستراتيجى الأول كما كان فى السابق ، ويمكن لمصر البحث عن شركاء آخرين، وأن زمن الإعتماد على طرف دولى واحد قد ولى، وأن أوان الضغوط الخارجية على مصر – كما كان يحدث فى العهود السابقة – قد فات بغير رجعة. مردود هذه الزيارة فى تقديرى لن يقتصر على البعدين العسكرى والسياسى فقط ، فمن المتوقع أن تكون مقدمة لتعزيز التعاون الإقتصادى وزيادة التبادل الإستثمارى و التجارى بين البلدين الى حوالى 5 مليار دولار ، وربما يتطور هذا التعاون ليشمل التعاون التكنولوجى والنووى، فمن المعروف أن روسيا قطعت شوطاَ كبيراَ فى هاذين المجاليين خاصة المجال النووى، ويمكن الإستعانة بها لتنفيذ البرنامج النووى المصرى وانشاء محطة الضبعة النووية.